شَيْئَانِ يَعْجِزُ ذُو الرِّيَاضَةِ عَنْهُمَا ... رَأْيُ النِّسَاءِ، وَإِمْرَةُ الصِّبْيَانِ
أَمَّا النِّسَاءُ فَمَيْلُهُنَّ إِلَى الْهَوَى ... وَأَخُو الصِّبَا يَجْرِي بِغَيْرِ عِنَانِ
ذِكْرُ انْهِزَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ إِلَى جُرْجَانَ وَوَفَاتِهِ
لَمَّا انْهَزَمَ ابْنُ سِيمْجُورَ أَقَامَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِنَيْسَابُورَ يَسْتَعْطِفُ الْأَمِيرَ نُوحًا وَوَزِيرَهُ ابْنَ عُزَيْرٍ، وَتَرَكَ اتِّبَاعَ ابْنِ سِيمْجُورَ وَإِخْرَاجَهُ مِنْ خُرَاسَانَ، فَتَرَاجَعَ إِلَى ابْنِ سِيمْجُورَ أَصْحَابُهُ الْمُنْهَزِمُونَ، وَعَادَتْ قُوَّتُهُ، وَأَتَتْهُ الْأَمْدَادُ مِنْ بُخَارَى، وَكَاتَبَ شَرَفَ الدَّوْلَةِ أَبَا الْفَوَارِسِ بْنَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ بِفَارِسَ، يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ بِأَلْفَيْ فَارِسٍ مُرَاغَمَةً لِعَمِّهِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا كَثُفَ جَمْعُهُ قَصَدَ أَبَا الْعَبَّاسِ، (فَالْتَقَوْا وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ، فَانْهَزَمَ أَبُو الْعَبَّاسِ) وَأَصْحَابُهُ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَقَصَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ جُرْجَانَ، وَبِهَا فَخْرُ الدَّوْلَةِ، فَأَكْرَمَهُ وَعَظَّمَهُ، وَتَرَكَ لَهُ جُرْجَانَ وَدِهِسْتَانَ وَأَسْتَرَابَاذَ صَافِيَةً لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى الرَّيِّ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْآلَاتِ مَا يَجِلُّ عَنِ الْوَصْفِ.
وَأَقَامَ أَبُو الْعَبَّاسِ بِجُرْجَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ نَحْوَ خُرَاسَانَ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا، وَعَادَ إِلَى جُرْجَانَ وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَقَعَ بِهَا وَبَاءٌ شَدِيدٌ مَاتَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَيْضًا، وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا.
وَكَانَ أَصْحَابُهُ قَدْ أَسَاءُوا السِّيرَةَ مَعَ أَهْلِ جُرْجَانَ، فَلَمَّا مَاتَ ثَارَ بِهِمْ أَهْلُهَا وَنَهَبُوهُمْ، وَجَرَتْ بَيْنَهُمْ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ أَجْلَتْ عَنْ هَزِيمَةِ الْجُرْجَانِيَّةِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَأُحْرِقَتْ دُورُهُمْ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ، وَطَلَبَ مَشَايِخُهُمُ الْأَمَانَ، فَكَفُّوا عَنْهُمْ، وَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ، فَسَارَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى خُرَاسَانَ، وَاتَّصَلُوا بِأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ سِيمْجُورَ، وَكَانَ حِينَئِذٍ صَاحِبَ الْجَيْشِ مَكَانَ أَبِيهِ، وَكَانَ وَالِدُهُ قَدْ تُوُفِّيَ فَجْأَةً، وَهُوَ يُجَامِعُ بَعْضَ حَظَايَاهُ، فَمَاتَ عَلَى صَدْرِهَا، فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بِالْأَمْرِ بَعْدَهُ ابْنُهُ أَبُو عَلِيٍّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute