وَأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ سَبْعَةَ حُصُونٍ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ بِرَسَاتِيقِهَا، وَأَنْ لَا يَقْصِدَ بِلَادَ الْإِسْلَامِ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَا عَاشَ، وَجَهَّزَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، فَسَارَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ، وَاسْتَمَالَ فِي طَرِيقِهِ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ، وَأَطْمَعَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَسَارَ حَتَّى نَزَلَ بِمَلَطْيَةَ، فَتَسَلَّمَهَا، وَقَوِيَ بِهَا وَبِمَا فِيهَا مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ.
وَقَصَدَ وَرْدِيسَ بْنَ لَاوَنَ، فَتَرَاسَلَا، وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ تَكُونَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ، وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ شَمَالِيِّ الْخَلِيجِ، لِوَرْدِيسَ. وَهَذَا الْجَانِبُ مِنَ الْخَلِيجِ لِوَرْدٍ، وَتَحَالَفَا وَاجْتَمَعَا، فَقَبَضَ وَرْدِيسُ عَلَى وَرْدٍ وَحَبَسَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ نَدِمَ فَأَطْلَقَهُ عَنْ قَرِيبٍ، وَعَبَرَ وَرْدِيسُ الْخَلِيجَ، وَحَصَرَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَبِهَا الْمَلَكَانِ ابْنَا أَرْمَانُوسَ، وَهُمَا بَسِيلُ وَقُسْطَنْطِينُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِمَا، فَرَاسَلَا مَلِكَ الرُّوسِيَّةِ، وَاسْتَنْجَدَاهُ وَزَوَّجَاهُ بِأُخْتٍ لَهُمَا، فَامْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا إِلَى مَنْ يُخَالِفُهَا فِي الدِّينِ، فَتَنَصَّرَ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ النَّصْرَانِيَّةِ بِالرُّوسِ، وَتَزَوَّجَهَا وَسَارَ إِلَى لِقَاءِ وَرْدِيسَ، فَاقْتَتَلُوا وَتَحَارَبُوا فَقُتِلَ وَرْدِيسُ، وَاسْتَقَرَّ الْمَلِكَانِ فِي مُلْكِهِمَا، وَرَاسَلَا وَرْدًا وَأَقَرَّاهُ عَلَى مَا بِيَدِهِ، فَبَقِيَ مُدَيْدَةً وَمَاتَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ مَسْمُومًا.
وَتَقَدَّمَ بَسِيلُ فِي الْمُلْكِ، وَكَانَ شُجَاعًا عَادِلًا، وَحَسَنَ الرَّأْيِ، وَدَامَ مُلْكُهُ، وَحَارَبَ الْبُلْغَارَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَظَفِرَ بِهِمْ، وَأَجْلَى كَثِيرًا مِنْهُمْ مِنْ بِلَادِهِمْ، وَأَسْكَنَهَا الرُّومَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ.
ذِكْرُ مُلْكِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ الْأَهْوَازَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ شَرَفُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْفَوَارِسِ بْنُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ مِنْ فَارِسَ يَطْلُبُ الْأَهْوَازَ، وَأَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ أَبِي الْحُسَيْنِ وَهُوَ بِهَا يُطَيِّبُ نَفْسَهُ، وَيَعِدُهُ الْإِحْسَانَ، وَأَنْ يُقِرَّهُ عَلَى مَا بِيَدِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ مَقْصِدَهُ الْعِرَاقُ، وَتَخْلِيصُ أَخِيهِ الْأَمِيرِ أَبِي نَصْرٍ مِنْ مَحْبِسِهِ، فَلَمْ يُصْغِ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ، وَعَزَمَ عَلَى مَنْعِهِ، وَتَجَهَّزَ لِذَلِكَ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِوُصُولِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ إِلَى أَرَّجَانَ، ثُمَّ إِلَى رَامَهُرْمُزَ، فَتَسَلَّلَ أَجْنَادُهُ إِلَى شَرَفِ الدَّوْلَةِ وَنَادَوْا بِشِعَارِهِ، فَهَرَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ نَحْوَ الرَّيِّ إِلَى عَمِّهِ فَخْرِ الدَّوْلَةِ، فَبَلَغَ أَصْبَهَانَ وَأَقَامَ بِهَا، وَاسْتَنْصَرَ عَمُّهُ فَأَطْلَقَ لَهُ مَالًا وَوَعَدَهُ بِنَصْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute