فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَصَدَ التَّغَلُّبَ عَلَى أَصْبَهَانَ وَنَادَى بِشِعَارِ أَخِيهِ شَرَفِ الدَّوْلَةِ، فَثَارَ بِهِ جُنْدُهَا وَأَخَذُوهُ أَسِيرًا وَسَيَّرُوهُ إِلَى الرَّيِّ، فَحَبَسَهُ عَمُّهُ، وَبَقِيَ مَحْبُوسًا إِلَى أَنْ مَرِضَ عَمُّهُ فَخْرُ الدَّوْلَةِ مَرَضَ الْمَوْتِ، فَلَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ مَنْ قَتَلَهُ، وَكَانَ يَقُولُ شِعْرًا، فَمِنْ قَوْلِهِ:
هَبِ الدَّهْرَ أَرْضَانِي وَأَعْتَبَ صَرْفُهُ ... وَأَعْقَبَ بِالْحُسْنَى، وَفَكَّ مِنَ الْأَسْرِ
فَمَنْ لِي بِأَيَّامِ الشَّبَابِ الَّتِي مَضَتْ ... وَمَنْ لِي بِمَا قَدْ فَاتَ فِي الْحَبْسِ مِنْ عُمْرِي
وَأَمَّا شَرَفُ الدَّوْلَةِ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى الْأَهْوَازِ وَمَلَكَهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ فَمَلَكَهَا، وَقَبَضَ عَلَى أَخِيهِ أَبِي طَاهِرٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ، فَرَاسَلَهُ فِي الصُّلْحِ، فَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ يَخْطُبَ لِشَرَفِ الدَّوْلَةِ بِالْعِرَاقِ قَبْلَ صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ، وَيَكُونُ صَمْصَامُ الدَّوْلَةِ نَائِبًا عَنْهُ، وَيُطْلِقُ أَخَاهُ الْأَمِيرَ بَهَاءَ الدَّوْلَةِ أَبَا نَصْرٍ، فَأَطْلَقَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَيْهِ، وَصَلُحَ الْحَالُ وَاسْتَقَامَ.
وَكَانَ قُوَّادُ شَرَفِ الدَّوْلَةِ يُحِبُّونَ الصُّلْحَ لِأَجْلِ الْعَوْدِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، وَخُطِبَ لِشَرَفِ الدَّوْلَةِ بِالْعِرَاقِ، وَسُيِّرَتْ إِلَيْهِ الْخِلَعُ وَالْأَلْقَابُ مِنَ الطَّائِعِ لِلَّهِ، فَإِلَى أَنْ عَادَتِ الرُّسُلُ إِلَى شَرَفِ الدَّوْلَةِ لِيُحَلِّفُوهُ أَلْقَتْ إِلَيْهِ الْبِلَادُ مَقَالِيدَهَا كَوَاسِطَ وَغَيْرِهَا، وَكَاتَبَهُ الْقَوَّادُ بِالطَّاعَةِ، فَعَادَ عَنِ الصُّلْحِ، وَعَزَمَ عَلَى قَصْدِ بَغْدَاذَ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى الْمُلْكِ، وَلَمْ يَحْلِفْ لِأَخِيهِ.
وَكَانَ مَعَهُ الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ الْعِرَاقِ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، وَيُطْمِعُهُ فِيهِ، فَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَ خَبَرِهِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ انْهِزَامِ عَسَاكِرِ الْمَنْصُورِ مِنْ صَاحِبِ سِجِلْمَاسَةَ
قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِيلَاءَ خَزَرُونَ وَزِيرِي الزَّنَاتِيَّيْنِ عَلَى سِجِلْمَاسَةَ وَفَاسَ، وَمَوْتَ يُوسُفَ بُلُكِّينَ لَمَّا قَصَدَهُمَا، فَلَمَّا مَاتَ تَمَكَّنَا مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْمَنْصُورُ سَيَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute