وَكَتَبَ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى الْأَمِيرِ نُوحٍ يُجَدِّدُ طَلَبَ وِلَايَةِ خُرَاسَانَ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَجَمَعَ لَهُ وِلَايَةَ خُرَاسَانَ جَمِيعَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ هَرَاةُ لِفَائِقٍ، فَعَادَ أَبُو عَلِيٍّ إِلَى نَيْسَابُورَ ظَافِرًا، وَجَبَى أَمْوَالَ خُرَاسَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ نُوحٌ يَسْتَنْزِلُهُ عَنْ بَعْضِهَا لِيَصْرِفَهُ فِي أَرْزَاقِ جُنْدِهِ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَخَافَ عَاقِبَةَ الْمَنْعِ، فَكَتَبَ إِلَى بَغْرَاخَانَ الْمَذْكُورِ يَدْعُوهُ إِلَى أَنْ يَقْصِدَ بُخَارَى وَيَمْلِكَهَا عَلَى السَّامَانِيَّةِ، وَأَطْمَعَهُ فِيهِمْ، وَاسْتَقَرَّ الْحَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَمْلِكَ بَغْرَاخَانُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ كُلِّهِ، وَيَمْلِكُ أَبُو عَلِيٍّ خُرَاسَانَ، فَطَمِعَ بَغْرَاخَانُ فِي الْبِلَادِ، وَتَجَدَّدَ لَهُ إِلَيْهَا حَرَكَةٌ.
وَأَمَّا فَائِقٌ فَإِنَّهُ أَقَامَ بِمَرْوَ الرُّوذِ حَتَّى انْجَبَرَ كَسْرُهُ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ وَسَارَ نَحْوَ بُخَارَى مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ، فَارْتَابَ الْأَمِيرُ نُوحٌ بِهِ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ الْجُيُوشَ وَأَمَرَهُمْ بِمَنْعِهِ، فَلَمَّا لَقَوْهُ قَاتَلُوهُ، فَانْهَزَمَ فَائِقٌ وَأَصْحَابُهُ، وَعَادَ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَصَدَ تِرْمِذَ. فَكَتَبَ الْأَمِيرُ نُوحٌ إِلَى صَاحِبِ الْجُوزَجَانِ مِنْ قَبْلِهِ، وَهُوَ أَبُو الْحَرْثِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرِيغُونِيُّ، وَأَمَرَهُ بِقَصْدِ فَائِقٍ فَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا وَسَارَ نَحْوَهُ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ فَائِقٌ فَهَزَمَهُمْ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُمْ.
وَكَاتَبَ أَيْضًا بَغْرَاخَانَ يُطْمِعُهُ فِي الْبِلَادِ، فَسَارَ نَحْوَ بُخَارَى وَقَصَدَ بِلَادَ السَّامَانِيَّةِ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَسَيَّرَ إِلَيْهِ نُوحٌ جَيْشًا كَثِيرًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ قَائِدًا كَبِيرًا مِنْ قُوَّادِهِ اسْمُهُ انْجُ، فَلَقِيَهُمْ بَغْرَاخَانُ، فَهَزَمَهُمْ، وَأَسَرَ انْجَ وَجَمَاعَةً مِنَ الْقُوَّادِ، فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِمْ قَوِيَ طَمَعُهُ فِي الْبِلَادِ، وَضَعُفَ نُوحٌ وَأَصْحَابُهُ، وَكَاتَبَ الْأَمِيرُ نُوحٌ أَبَا عَلِيِّ بْنَ سِيمْجُورَ يَسْتَنْصِرُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ إِلَيْهِ بِالْعَسَاكِرِ، فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَلَا لَبَّى دَعْوَتَهُ، (وَقَوِيَ طَمَعُهُ) فِي الِاسْتِيلَاءِ عَلَى خُرَاسَانَ.
وَسَارَ بَغْرَاخَانُ نَحْوَ بُخَارَى، فَلَقِيَهُ فَائِقٌ، وَاخْتَصَّ بِهِ، وَصَارَ فِي جُمْلَتِهِ وَنَازَلُوا بُخَارَى، فَاخْتَفَى الْأَمِيرُ نُوحٌ، وَمَلَكَهَا بَغْرَاخَانُ وَنَزَلَهَا، وَخَرَجَ نُوحٌ مِنْهَا مُسْتَخْفِيًا فَعَبَرَ النَّهْرَ إِلَى آمُلِ الشَّطِّ، وَأَقَامَ بِهَا وَلَحِقَ بِهِ أَصْحَابُهُ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute