هَذِهِ نُسْخَتُهُ: " يَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْأَزْهَرِيِّ: قَرَأَ عَلَيَّ الشَّارُ أَبُو نَصْرٍ هَذَا الْجُزْءَ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَكَتَبَهُ بِيَدِهِ صَحَّ ". فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِغَالِهِ وَعِلْمِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ مَنْ يَصْحَبُ مِثْلَ الْأَزْهَرِيِّ، وَيَقْرَأُ كِتَابَهُ " التَّهْذِيبَ "، يَكُونُ فَاضِلًا.
ذِكْرُ انْقِرَاضِ دَوْلَةِ السَّامَانِيَّةِ وَمُلْكِ التُّرْكِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ انْقَرَضَتْ دَوْلَةُ آلِ سَامَانَ عَلَى يَدِ مَحْمُودِ بْنِ سُبُكْتِكِينَ، وَأَيْلَكَ الْخَانِ التُّرْكِيِّ، وَاسْمُهُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَلَقَبُهُ شَمْسُ الدَّوْلَةِ.
فَأَمَّا مَحْمُودٌ فَإِنَّهُ مَلَكَ خُرَاسَانَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبَقِيَ بِيَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نُوحٍ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَلَمَّا انْهَزَمَ مِنْ مَحْمُودٍ قَصَدَ بُخَارَى وَاجْتَمَعَ بِهَا هُوَ وَفَائِقٌ وَبَكْتُوزُونُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَكَابِرِ، فَقَوِيَتْ نُفُوسُهُمْ، وَشَرَعُوا فِي جَمْعِ الْعَسَاكِرِ، وَعَزَمُوا عَلَى الْعَوْدِ إِلَى خُرَاسَانَ، فَاتُّفِقَ أَنْ مَاتَ فَائِقٌ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمَّا مَاتَ ضَعُفَتْ نُفُوسُهُمْ، وَوَهَنَتْ قُوَّتُهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ هُوَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَكَانَ خَصِيًّا مِنْ مَوَالِي نُوحِ بْنِ نَصْرٍ.
وَبَلَغَ خَبَرُهُمْ إِلَى أَيْلَكَ الْخَانِ، فَسَارَ فِي جَمْعِ الْأَتْرَاكِ إِلَى بُخَارَى، وَأَظْهَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ الْمَوَدَّةَ وَالْمُوَالَاةَ، وَالْحَمِيَّةَ لَهُ، فَظَنُّوهُ صَادِقًا، وَلَمْ يَحْتَرِسُوا مِنْهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ بَكْتُوزُونُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُوَّادِ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَبَضَ عَلَيْهِمْ، وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ بُخَارَى يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، فَلَمْ يَدْرِ عَبْدُ الْمَلِكِ مَا يَصْنَعُ لِقِلَّةِ عَدَدِهِ، فَاخْتَفَى وَنَزَلَ أَيْلَكُ الْخَانُ دَارَ الْإِمَارَةِ، وَبَثَّ الطَّلَبَ وَالْعُيُونَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، حَتَّى ظَفِرَ بِهِ، فَأَوْدَعَهُ بَافْكَنْدَ فَمَاتَ بِهَا، وَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ السَّامَانِيَّةِ، وَانْتَقَضَتْ دَوْلَتُهُمْ عَلَى يَدِهِ كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ، كَدَأْبِ الدُّوَلِ قَبْلَهَا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ. وَحُبِسَ مَعَهُ أَخُوهُ أَبُو الْحَرْثِ مَنْصُورُ بْنُ نُوحٍ الَّذِي كَانَ فِي الْمُلْكِ قَبْلَهُ، وَأَخَوَاهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلُ، وَأَبُو يَعْقُوبَ ابْنَا نُوحٍ، وَعَمَّاهُ أَبُو زَكَرِيَّاءَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ آلِ سَامَانَ، وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حُجْرَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute