وِلَايَتُهُ ثَمَانِيَ سِنِينَ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ عُمْرُهُ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَتَوَلَّى تَجْهِيزَهُ وَدَفْنَهُ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ، دَفَنَهُ بِمَقَابِرِ قُرَيْشٍ، وَرَثَاهُ الرَّضِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَكَانَ أَبُوهُ، أَبُو جَعْفَرٍ أَسْتَاذُ هُرْمُزَ، مِنْ حُجَّابِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَجَعَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ عَمِيدَ الْجُيُوشِ فِي خِدْمَةِ ابْنِهِ صَمْصَامِ الدَّوْلَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ اتَّصَلَ بِخِدْمَةِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ. فَلَمَّا اسْتَوْلَى الْخَرَابُ عَلَى بَغْدَاذَ، وَظَهَرَ الْعَيَّارُونَ، وَانْحَلَّتِ الْأُمُورُ بِهَا، أَرْسَلَهُ إِلَيْهَا، فَأَصْلَحَ الْأُمُورَ، وَقَمَعَ الْمُفْسِدِينَ وَقَتَلَهُمْ. فَلَمَّا مَاتَ اسْتَعْمَلَ بَهَاءُ الدَّوْلَةِ مَكَانَهُ بِالْعِرَاقِ فَخْرَ الْمُلْكِ أَبَا غَالِبٍ، فَأَصْعَدَ إِلَى بَغْدَاذَ، فَلَقِيَهُ الْكُتَّابُ وَالْقُوَّادُ وَأَعْيَانُ النَّاسِ، وَزَيَّنُوا لَهُ الْبِلَادَ، وَوَصَلَ بَغْدَاذَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَمَدَحَهُ مِهْيَارُ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّعَرَاءِ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ أَعْمَالِ عَمِيدِ الْجُيُوشِ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ قَدْ خَلَّفَهُ بَعْضُ التُّجَّارِ الْمِصْرِيِّينَ، وَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ فَقَالَ: لَا يَدْخُلُ خِزَانَةَ السُّلْطَانِ مَا لَيْسَ لَهَا، يُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَصِحَّ خَبَرُهُ. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ أَخٌ لِلْمَيِّتِ بِكِتَابٍ مِنْ مِصْرَ بِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّرِكَةِ، فَقَصَدَ بَابَ عَمِيدِ الْجُيُوشِ لِيُوصِلَ الْكِتَابَ، فَرَآهُ يُصَلِّي عَلَى رَوْشَنِ دَارِهِ فَظَنَّهُ بَعْضَ الْحُجَّابِ، فَأَوْصَلَ الْكِتَابَ إِلَيْهِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، فَلَمَّا عَلِمَ التَّاجِرُ أَنَّ الَّذِي أَخَذَ الْكِتَابَ كَانَ عَمِيدَ الْجُيُوشِ عَظَّمَ الْأَمْرَ عِنْدَهُ، فَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ النَّاسُ، وَلَمَّا وَصَلَ التَّاجِرُ إِلَى مِصْرَ أَظْهَرَ الدُّعَاءَ لَهُ، فَضَجَّ النَّاسُ بِالدُّعَاءِ لَهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، فَبَلَغَهُ الْخَبَرُ فَسَرَّهُ ذَلِكَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ الْغَلَاءُ بِخُرَاسَانَ جَمِيعِهَا، وَعُدِمَ الْقُوتُ حَتَّى أَكَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانَ الْإِنْسَانُ يَصِيحُ: الْخُبْزَ الْخُبْزَ وَيَمُوتُ، ثُمَّ تَبِعَهُ وَبَاءٌ عَظِيمٌ حَتَّى عَجِزَ النَّاسُ عَنْ دَفْنِ الْمَوْتَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute