فَهَزَمُوهُمْ وَغَنِمُوا مَالَهُمْ، وَامْتَارُوا مِنْ عِنْدِهِمْ، وَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا دَبُولْوَارَةَ، وَهِيَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ سُومَنَاتَ، وَقَدْ ثَبَتَ أَهْلُهَا لَهُ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ سُومَنَاتَ يَمْنَعُهُمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ، فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا، وَشَلَّ رِجَالَهَا، وَغَنِمَ أَمْوَالَهَا، وَسَارَ عَنْهَا إِلَى سُومَنَاتَ، فَوَصَلَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ مُنْتَصَفَ ذِي الْقَعْدَةِ فَرَأَى حِصْنًا حَصِينًا مَبْنِيًّا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ تَبْلُغُهُ أَمْوَاجُهُ، وَأَهْلُهُ عَلَى الْأَسْوَارِ يَتَفَرَّجُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاثِقِينَ أَنَّ مَعْبُودَهُمْ يَقْطَعُ دَابِرَهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، هُوَ الْجُمُعَةُ، زَحَفَ وَقَاتَلَ مَنْ بِهِ، فَرَأَى الْهُنُودُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا لَمْ يَعْهَدُوا مِثْلَهُ، فَفَارَقُوا السُّورَ فَنَصَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ السَّلَالِمَ، وَصَعِدُوا إِلَيْهِ وَأَعْلَنُوا بِكَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ، وَأَظْهَرُوا شِعَارَ الْإِسْلَامِ، فَحِينَئِذٍ اشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَتَقَدَّمَ جَمَاعَةُ الْهُنُودِ إِلَى سُومَنَاتَ، فَعَفَّرُوا لَهُ خُدُودَهُمْ، وَسَأَلُوهُ النَّصْرَ، وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ فَكَفَّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ بَكَّرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ وَقَاتَلُوهُمْ، فَأَكْثَرُوا فِي الْهُنُودِ الْقَتْلَ، وَأَجْلُوهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ إِلَى بَيْتِ صَنَمِهِمْ سُومَنَاتَ، فَقَاتَلُوا عَلَى بَابِهِ أَشَدَّ قِتَالٍ، وَكَانَ الْفَرِيقُ مِنْهُمْ بَعْدَ الْفَرِيقِ يَدْخُلُونَ إِلَى سُومَنَاتَ فَيَعْتَنِقُونَهُ وَيَبْكُونَ، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ، وَيَخْرُجُونَ فَيُقَاتِلُونَ إِلَى أَنْ يُقْتَلُوا، حَتَّى كَادَ الْفَنَاءُ يَسْتَوْعِبُهُمْ، فَبَقِيَ مِنْهُمُ الْقَلِيلُ، فَدَخَلُوا الْبَحْرَ إِلَى مَرْكَبَيْنِ لَهُمْ لِيَنْجُوا فِيهِمَا، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوا بَعْضًا وَغَرِقَ بَعْضٌ.
وَأَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي فِيهِ سُومَنَاتُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَارِيَةً مِنَ السَّاجِ الْمُصَفَّحِ بِالرَّصَاصِ، وَسُومَنَاتُ مِنْ حَجَرٍ طُولُهُ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ: ثَلَاثَةٌ مُدَوَّرَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَذِرَاعَانِ فِي الْبِنَاءِ، وَلَيْسَ بِصُورَةٍ مُصَوَّرَةٍ، فَأَخَذَهُ يَمِينُ الدَّوْلَةِ فَكَسَرَهُ، وَأَحْرَقَ بَعْضَهُ، وَأَخَذَ بَعْضَهُ مَعَهُ إِلَى غَزْنَةَ، فَجَعَلَهُ عَتَبَةَ الْجَامِعِ.
وَكَانَ بَيْتُ الصَّنَمِ مُظْلِمًا، وَإِنَّمَا الضَّوْءُ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْ قَنَادِيلِ الْجَوْهَرِ الْفَائِقِ، وَكَانَ عِنْدَهُ سِلْسِلَةُ ذَهَبٍ فِيهَا جَرَسٌ، وَوَزْنُهَا مِائَتَا مَنٍّ، كُلَّمَا مَضَى طَائِفَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute