يَحَكُمُ فِي الْبَلَدِ، وَيَأْمُرُ وَيَنْهَى، فَحَسَدَهُ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا: قَدْ أَكَلْتَ مَالِي، وَاسْتَوْلَيْتَ عَلَى بَلَدِي، وَصِرْتَ الْأَمِيرَ وَأَنَا النَّائِبُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ وَقَتَلَهُ. فَأَنْكَرَتِ الرَّعِيَّةُ قَتْلَهُ، وَغَضِبُوا عَلَى عُطَيْرٍ، وَكَاتَبُوا نَصْرَ الدَّوْلَةِ بْنَ مَرْوَانَ لِيُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الْبَلَدَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ نَائِبًا كَانَ لَهُ بِآمِدَ يُسَمَّى زَنْكَ، فَتَسَلَّمَهَا وَأَقَامَ بِهَا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَجْنَادِ، وَمَضَى عُطَيْرٌ إِلَى صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ، وَسَأَلَهُ الشَّفَاعَةَ لَهُ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ، فَشَفَعَ فِيهِ، فَأَعْطَاهُ نِصْفَ الْبَلَدِ، وَدَخَلَ عُطَيْرٌ إِلَى نَصْرِ الدَّوْلَةِ بِمَيَّافَارِقِينَ، فَأَشَارَ أَصْحَابُ نَصْرِ الدَّوْلَةِ بِقَبْضِهِ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَفْسَدَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُفَّ شَرَّهُ بِالْوَفَاءِ.
وَتَسَلَّمَ عُطَيْرٌ نِصْفَ الْبَلَدِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَأَقَامَ فِيهِ مَعَ نَائِبِ نَصْرِ الدَّوْلَةِ.
ثُمَّ إِنَّ نَائِبَ نَصْرِ الدَّوْلَةِ عَمِلَ طَعَامًا وَدَعَاهُ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَاسْتَدْعَى وَلَدًا كَانَ لِأَحْمَدَ الَّذِي قَتَلَهُ عُطَيْرٌ، وَقَالَ: تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ بِثَأْرِ أَبِيكَ؟ قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: هَذَا عُطَيْرٌ عِنْدِي فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَإِذَا خَرَجَ فَتَعَلَّقْ بِهِ فِي السُّوقِ وَقُلْ لَهُ: يَا ظَالِمُ قَتَلْتَ أَبِي فَإِنَّهُ سَيُجَرِّدُ سَيْفَهُ عَلَيْكَ، فَإِذَا فَعَلَ فَاسْتَنْفِرِ النَّاسَ عَلَيْهِ وَاقْتُلْهُ وَأَنَا مِنْ وَرَائِكَ. فَفَعَلَ مَا أَمَرَهُ، وَقَتَلَ عُطَيْرًا وَمَعَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ. فَاجْتَمَعَ بَنُو نُمَيْرٍ وَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ زَنْكَ، وَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَسْكُتَ عَنْ ثَأْرِنَا، وَلَئِنْ لَمْ نَقْتُلْهُ لَيُخْرِجُنَا مِنْ بِلَادِنَا. فَاجْتَمَعَتْ نُمَيْرٌ، وَكَمَنُوا لَهُ بِظَاهِرِ الْبَلَدِ كَمِينًا، وَقَصَدَ فَرِيقٌ مِنْهُمُ الْبَلَدَ، فَأَغَارُوا عَلَى مَا يُقَارِبُهُ. فَسَمِعَ زَنْكُ الْخَبَرَ، فَخَرَجَ فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ، وَطَلَبَ الْقَوْمَ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْكُمَنَاءَ خَرَجُوا عَلَيْهِ، فَقَاتَلَهُمْ، فَأَصَابَهُ حَجَرُ مِقْلَاعٍ فَسَقَطَ وَقُتِلَ، وَكَانَ قَتْلُهُ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ فِي أَوَّلِهَا، وَخَلَصَتِ الْمَدِينَةُ لِنَصْرِ الدَّوْلَةِ.
ثُمَّ إِنَّ صَالِحَ بْنَ مِرْدَاسٍ شَفَعَ فِي ابْنِ عُطَيْرٍ وَابْنِ شِبْلٍ النُّمَيْرِيَّيْنِ لِيَرُدَّ الرُّهَا إِلَيْهِمَا، فَشَفَّعَهُ وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِمَا، وَكَانَ فِيهَا بُرْجَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَأَخَذَ ابْنُ عُطَيْرٍ الْبُرْجَ الْكَبِيرَ، وَأَخَذَ ابْنُ شِبْلٍ الْبُرْجَ الصَّغِيرَ، وَأَقَامَا فِي الْبَلَدِ، إِلَى أَنْ بَاعَهُ ابْنُ عُطَيْرٍ مِنَ الرُّومِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ذِكْرُ غَرَقِ الْأُسْطُولِ بِجَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ الرُّومُ إِلَى جَزِيرَةِ صِقِلِّيَةَ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَمَلَكُوا مَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute