ذِكْرُ عِصْيَانِ الْبَطِيحَةِ عَلَى أَبِي كَالِيجَارَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَصَى أَهْلُ الْبَطِيحَةِ عَلَى الْمَلِكِ أَبِي كَالِيجَارَ، وَمُقَدَّمُهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ بَكْرٍ الشَّرَابِيُّ، الَّذِي كَانَ قَدِيمًا صَاحِبَ الْبَطِيحَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ.
وَكَانَ سَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ الْمَلِكَ أَبَا كَالِيجَارَ سَيَّرَ وَزِيرَهُ أَبَا مُحَمَّدِ بْنَ بَابَشَاذَ إِلَى الْبَطِيحَةِ، فَعَسَفَ النَّاسَ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، وَأَمَرَ الشَّرَابِيَّ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ دَارٍ بِالصَّلِيقِ قِسْطًا، وَكَانَ فِي صُحْبَتِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ، وَفَارَقُوا أَوْطَانَهُمْ، فَعَزَمَ مَنْ بَقِيَ عَلَى أَنْ يَسْتَدْعُوا مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ فِي الْعِصْيَانِ عَلَى أَبِي كَالِيجَارَ، وَقَتْلِ الشَّرَابِيِّ، وَكَانُوا يَنْسُبُونَ كُلَّ مَا يَجْرِي (عَلَيْهِمْ إِلَى الشَّرَابِيِّ) . فَعَلِمَ الشَّرَابِيُّ بِذَلِكَ، فَحَضَرَ عِنْدَهُمْ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ، وَبَذَلَ مِنْ نَفْسِهِ مُسَاعَدَتَهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُونَهُ، (فَرَضُوا بِهِ) ، وَحَلَفُوا لَهُ، وَحَلَفَ لَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِكِتْمَانِ الْحَالِ.
وَعَادَ إِلَى الْوَزِيرِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِإِرْسَالِ أَصْحَابِهِ إِلَى جِهَاتٍ ذَكَرَهَا لِيُحَصِّلُوا الْأَمْوَالَ، فَقَبِلَ مِنْهُ، ثُمَّ أَشَارَ عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ سُفُنِهِ إِلَى مَكَانٍ ذَكَرَهُ لِيُصْلِحَ مَا فَسَدَ مِنْهَا، فَفَعَلَ. فَلَمَّا تَمَّ لَهُ ذَلِكَ وَثَبَ هُوَ وَأَهْلُ الْبَطِيحَةِ عَلَيْهِ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَكَانَ عِنْدَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ عَسْكَرِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ فِي الْحَبْسِ، فَأَخْرَجُوهُمْ، وَاسْتَعَانُوا بِهِمْ، وَاتَّفَقُوا مَعَهُمْ، وَفَتَحُوا السَّوَاقِيَ، وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ أَيَّامَ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ، وَقَاتَلُوا كُلَّ مَنْ قَصَدَهُمْ، وَامْتَنَعُوا فَتَمَّ لَهُمْ ذَلِكَ. ثُمَّ قَصَدَهُ ابْنُ الْمَعْبَرَانِيِّ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَطِيحَةِ، وَفَارَقَهَا الشَّرَابِيُّ إِلَى دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ مُكَرَّمًا.
ذِكْرُ صُلْحِ أَبِي كَالِيجَارَ مَعَ عَمِّهِ صَاحِبِ كِرْمَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ بَيْنَ أَبِي كَالِيجَارَ وَبَيْنَ عَمِّهِ أَبِي الْفَوَارِسِ، صَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute