كِرْمَانَ، وَكَانَ أَبُو كَالِيجَارَ قَدْ سَارَ إِلَى كِرْمَانَ لِقِتَالِ عَمِّهِ وَأَخْذِ كِرْمَانَ مِنْهُ، فَاحْتَمَى مِنْهُ بِالْجِبَالِ، وَحَمِيَ الْحَرُّ عَلَى أَبِي كَالِيجَارَ وَعَسْكَرِهِ، فَكَثُرَتِ الْأَمْرَاضُ، فَتَرَاسَلَا فِي الصُّلْحِ، فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ تَكُونَ كِرْمَانُ لِأَبِي الْفَوَارِسِ، وَبِلَادُ فَارِسَ لِأَبِي كَالِيجَارَ، وَيَحْمِلُ إِلَى عَمِّهِ كُلَّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.
وَلَمَّا عَادَ أَبُو كَالِيجَارَ إِلَى الْأَهْوَازِ جَعَلَ أُمُورَ دَوْلَتِهِ إِلَى الْعَادِلِ بْنِ مَافَنَّةَ، فَأَجَابَهُ بَعْدَ امْتِنَاعٍ، وَكَانَ مَوْلِدُ الْعَادِلِ بِكَازَرُونَ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَشَرَطَ الْعَادِلُ أَنْ لَا يُعَارَضَ فِي الَّذِي يَفْعَلُهُ، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ.
ذِكْرُ الْخُطْبَةِ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِبَغْدَاذَ وَإِصْعَادِهِ إِلَيْهَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي جُمَادَى الْأُولَى، (خُطِبَ لِلْمَلِكِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ) أَبِي طَاهِرِ بْنِ بَهَاءِ الدَّوْلَةِ بِبَغْدَاذَ، وَأَصْعَدَ إِلَيْهَا مِنَ الْبَصْرَةِ فَدَخَلَهَا ثَالِثَ شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَتْرَاكَ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ الْبِلَادَ تُخَرَّبُ، وَأَنَّ الْعَامَّةَ وَالْعَرَبَ وَالْأَكْرَادَ قَدْ طَمِعُوا، وَأَنَّهُمْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ سُلْطَانٌ يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ، قَصَدُوا دَارَ الْخِلَافَةِ، وَأَرْسَلُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنِ انْفِرَادِهِمْ بِالْخُطْبَةِ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بَرَدِّهِ ثَانِيًا، وَبِالْخُطْبَةِ لِأَبِي كَالِيجَارَ، وَيَشْكُرُونَ الْخَلِيفَةَ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَاحِبُ الْأَمْرِ، وَنَحْنُ الْعَبِيدُ، وَقَدْ أَخْطَأْنَا وَنَسْأَلُ الْعَفْوَ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا الْآنَ مَنْ يَجْمَعُ كَلِمَتَنَا، وَنَسْأَلُ أَنْ تُرْسِلَ إِلَى جَلَالِ الدَّوْلَةِ لِيَصْعَدَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَيَمْلِكَ الْأَمْرَ، وَيَجْمَعَ الْكَلِمَةَ، وَيُخْطُبَ لَهُ فِيهَا، وَيَسْأَلُونَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الرَّسُولُ السَّائِرُ لِإِحْضَارِهِ لَهُمْ. فَأَجَابَهُمُ الْخَلِيفَةُ إِلَى مَا سَأَلُوا، وَرَاسَلَهُ هُوَ وَقُوَّادُ الْجُنْدِ فِي الْإِصْعَادِ وَالْيَمِينِ لِلْخَلِيفَةِ وَالْأَتْرَاكِ، فَحَلَفَ لَهُمْ، وَأَصْعَدَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَانْحَدَرَ الْأَتْرَاكُ إِلَيْهِ، فَلَقُوهُ فِي الطَّرِيقِ، وَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَيْهِ الْقَاضِيَ أَبَا جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيَّ، فَأَعَادَ تَجْدِيدَ الْعَهْدِ عَلَيْهِ لِلْخَلِيفَةِ وَالْأَتْرَاكِ، فَفَعَلَ.
وَلَمَّا وَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ نَزَلَ النَّجْمِيُّ، فَرَكِبَ الْخَلِيفَةُ فِي الطَّيَّارِ وَانْحَدَرَ يَلْتَقِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute