للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا رَآهُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ قَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرَكِبَ فِي زَبْزَبِهِ، وَوَقَفَ قَائِمًا، فَأَمَرَهُ الْخَلِيفَةُ بِالْجُلُوسِ، فَخَدَمَ وَجَلَسَ وَدَخَلَ إِلَى دَارِ الْمَمْلَكَةِ بَعْدَ أَنْ مَضَى إِلَى مَشْهَدِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ فَزَارَ، وَقَصَدَ الدَّارَ فَدَخَلَهَا، وَأَمَرَ بِضَرْبِ الطَّبْلِ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فَرَاسَلَهُ الْخَلِيفَةُ فِي مَنْعِهِ، فَقَطَعَهُ غَضَبًا، حَتَّى أَذِنَ لَهُ فِي إِعَادَتِهِ فَفَعَلَ.

وَأَرْسَلَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ مُؤَيِّدَ الْمُلْكِ أَبَا عَالِي الرُّخَّجِيَّ إِلَى الْأَثِيرِ عَنْبَرٍ الْخَادِمِ. وَهُوَ عِنْدَ قِرْوَاشٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ، يُعَرِّفُهُ اعْتِضَادَهُ بِهِ، وَاعْتِمَادَهُ عَلَيْهِ، وَمَحَبَّتَهُ لَهُ، وَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِ عَنِ الْأَتْرَاكِ، فَعَذَرَهُمْ وَقَالَ: هُمْ أَوْلَادٌ وَإِخْوَةٌ.

ذِكْرُ وَفَاةِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْمَغْرِبِيِّ وَأَبِي الْخَطَّابِ

أَمَّا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْمَغْرِبِيِّ فَتُوُفِّيَ هَذِهِ السَّنَةَ بِمَيَّافَارِقِينَ، وَكَانَ عُمْرُهُ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ كَتَبَ كُتُبًا عَنْ نَفْسِهِ إِلَى كُلِّ مَنْ يَعْرِفُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُوفَةِ، وَيُعَرِّفُهُمْ أَنَّ حَظِيَّةً لَهُ تُوُفِّيَتْ، وَأَنَّهُ قَدْ سَيَّرَ تَابُوتَهَا إِلَى مَشْهَدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخَاطَبَهُمْ فِي الْمُرَاعَاةِ لِمَنْ فِي صُحْبَتِهِ. وَكَانَ قَصْدُهُ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لِتَابُوتِهِ بِمَنْعٍ، وَيَنْطَوِي خَبَرُهُ. فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَارَ بِهِ أَصْحَابُهُ، كَمَا أَمَرَهُمْ، وَأَوْصَلُوا الْكُتُبَ، فَلَمْ يَعْرِضْ أَحَدٌ إِلَيْهِ فَدُفِنَ بِالْمَشْهَدِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ دَفْنِهِ.

وَلِأَبِي الْقَاسِمِ شِعْرٌ حَسَنٌ، فَمِنْهُ (هَذِهِ الْأَبْيَاتُ) :

وَمَا ظَبْيَةٌ أَدْمَاءُ تَحْنُو عَلَى طَلًا

،

تَرَى الْإِنْسَ وَحْشًا وَهِيَ تَأْنَسُ بِالْوَحْشِ ... غَدَتْ فَارْتَعَتْ ثُمَّ انْثَنَتْ لِرَضَاعِهِ

،

فَلَمْ تُلْفِ شَيْئًا مِنْ قَوَائِمِهِ الْحُمْشِ

<<  <  ج: ص:  >  >>