وَوَقَعَ الْقِتَالُ فِي أَصْقَاعِ الْبَلَدِ مِنْ جَانِبَيْهِ، وَاقْتَتَلَ أَهْلُ الْكَرْخِ، وَنَهْرِ طَابَقٍ، وَالْقَلَّائِينَ، وَبَابِ الْبَصْرَةِ، وَفِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ أَهْلُ سُوقِ الثُّلَاثَاءِ، وَسُوقِ يَحْيَى، وَبَابِ الطَّاقِ، وَالْأَسَاكِفَةِ، وَالرَّهَادِرَةِ، وَدَرْبِ سُلَيْمَانَ، فَقُطِعَ الْجِسْرُ لِيُفَرَّقَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَدَخَلَ الْعَيَّارُونَ الْبَلَدَ، وَكَثُرَ الِاسْتِقْفَاءُ بِهَا وَالْعَمَلَاتُ لَيْلًا وَنَهَارًا. وَأَظْهَرَ الْجُنْدُ كَرَاهَةَ الْمَلِكِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَأَرَادُوا قَطْعَ خُطْبَتِهِ، فَفَرَّقَ فِيهِمْ مَالًا وَحَلَفَ لَهُمْ فَسَكَنُوا، ثُمَّ عَاوَدُوا الشَّكْوَى إِلَى الْخَلِيفَةِ مِنْهُ، وَطَلَبُوا أَنْ يَأْمُرَ بِقَطْعِ خُطْبَتِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى ذَلِكَ فَامْتَنَعَ حِينَئِذٍ جَلَالُ الدَّوْلَةِ مِنَ الْجُلُوسِ، وَضَرَبَهُ النُّوبَةُ أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ، وَانْصَرَفَ الطَّبَّالُونَ لِانْقِطَاعِ الْجَارِي لَهُمْ، وَدَامَتْ هَذِهِ الْحَالُ إِلَى عِيدِ الْفِطْرِ، فَلَمْ يُضْرَبْ بُوقٌ، وَلَا طَبْلٌ، وَلَا أُظْهِرَتِ الزِّينَةُ، وَزَادَ الِاخْتِلَاطُ.
ثُمَّ حَدَثَ فِي شَوَّالٍ فِتْنَةٌ بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَكْسِيَةِ وَأَصْحَابِ الْخِلْعَانِ، وَهُمَا شِيعَةٌ، وَزَادَ الشَّرُّ، وَدَامَ إِلَى ذِي الْحِجَّةِ، فَنُودِيَ فِي الْكَرْخِ بِإِخْرَاجِ الْعَيَّارِينَ، فَخَرَجُوا، وَاعْتَرَضَ أَهْلُ بَابِ الْبَصْرَةِ قَوْمًا (مِنْ قُمٍّ) أَرَادُوا زِيَارَةَ مَشْهَدِ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ، وَامْتَنَعَتْ زِيَارَةُ مَشْهَدِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
ذِكْرُ مُلْكِ الرُّومِ قَلْعَةَ أَفَامِيَةَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ مَلَكَ الرُّومُ قَلْعَةَ أَفَامِيَةَ بِالشَّامِ.
وَسَبَبُ مُلْكِهَا أَنَّ الظَّاهِرَ خَلِيفَةَ مِصْرَ سَيَّرَ إِلَى الشَّامِ الدِّزْبَرِيَّ، وَزِيرَهُ، فَمَلَكَهُ، وَقَصَدَ حَسَّانَ بْنَ الْمُفَرِّجِ الطَّائِيَّ، فَأَلَحَّ فِي طَلَبِهِ، فَهَرَبَ مِنْهُ، وَدَخَلَ بَلَدَ الرُّومِ، وَلَبِسَ خِلْعَةَ مَلِكِهِمْ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَعَلَى رَأْسِهِ عَلَمٌ فِيهِ صَلِيبٌ، وَمَعَهُ عَسْكَرٌ كَثِيرٌ، فَسَارَ إِلَى أَفَامِيَةَ فَكَبَسَهَا، وَغَنِمَ مَا فِيهَا، وَسَبَى أَهْلَهَا، وَأَسَرَهُمْ، وَسَيَّرَ الدِّزْبَرِيِّ إِلَى الْبِلَادِ يَسْتَنْفِرُ النَّاسَ لِلْغَزْوِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute