للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَيْشِ حِينَئِذٍ فَمُوتُوا كِرَامًا. فَاجْتَمَعُوا وَسَارُوا إِلَى حُجْرٍ فَلَقَوْهُ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَكَانَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ عِلْبَاءَ بْنَ الْحَارِثِ، فَحَمَلَ عَلَى حُجْرٍ فَطَعَنَهُ فَقَتَلَهُ، وَانْهَزَمَتْ كِنْدَةُ وَمَنْ مَعَهُمْ، وَأَسَرَ بَنُو أَسَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ حُجْرٍ وَغَنِمُوا حَتَّى مَلَأُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَأَخَذُوا جَوَارِيَهُ وَنِسَاءَهُ وَمَا مَعَهُمْ فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ.

وَقِيلَ: إِنَّ حُجْرًا أَخَذَ أَمِيرًا فِي الْمَعْرَكَةِ وَجَعَلَ فِي قُبَّةٍ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ ابْنُ أُخْتِ عِلْبَاءَ فَضَرَبَهُ بِحَدِيدَةٍ كَانَتْ مَعَهُ لِأَنَّ حُجْرًا كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ، فَلَمَّا جَرَحَهُ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ، فَأَوْصَى حُجْرٌ وَدَفَعَ كِتَابَهُ إِلَى رَجُلٍ وَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى ابْنِي نَافِعٍ، وَكَانَ أَكْبَرَ أَوْلَادِهِ، فَإِنْ بَكَى وَجَزِعَ فَاتْرُكْهُ وَاسْتَقْرِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَأْتِيَ امْرَأَ الْقَيْسِ، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ، فَأَيُّهُمْ لَمْ يَجْزَعْ فَادْفَعْ إِلَيْهِ خَيْلِي وَسِلَاحِي وَوَصِيَّتِي. وَقَدْ كَانَ بَيْنَ وَصِيَّتِهِ مِنْ قَتْلِهِ وَكَيْفَ كَانَ خَبَرُهُ.

فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ بِوَصِيَّتِهِ إِلَى ابْنِهِ نَافِعٍ فَوَضَعَ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ أَتَاهُمْ كُلَّهُمْ، فَفَعَلُوا مِثْلَهُ حَتَّى أَتَى امْرَأَ الْقَيْسِ فَوَجَدَهُ مَعَ نَدِيمٍ لَهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَلْعَبُ مَعَهُ بِالنَّرْدِ، فَقَالَ: قُتِلَ حُجْرٌ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَمْسَكَ نَدِيمُهُ، فَقَالَ لَهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ: اضْرِبْ، فَضَرَبَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ قَالَ: مَا كُنْتُ لِأُفْسِدَ دُسْتَكَ، ثُمَّ سَأَلَ الرَّسُولَ عَنْ أَمْرِ أَبِيهِ كُلِّهِ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْخَمْرُ وَالنِّسَاءُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى أَقْتُلَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ مِائَةً وَأُطْلِقُ مِائَةً.

وَكَانَ حُجْرٌ قَدْ طَرَدَ امْرَأَ الْقَيْسِ لِقَوْلِهِ الشِّعْرَ، وَكَانَ يَأْنَفُ مِنْهُ، وَكَانَتْ أُمُّ امْرِئِ الْقَيْسِ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أُخْتَ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي أَحْيَاءِ الْعَرَبِ يَشْرَبُ الْخَمْرَ عَلَى الْغُدْرَانِ وَيَتَصَيَّدُ، فَأَتَاهُ خَبَرُ قَتْلِ أَبِيهِ وَهُوَ بِدَمُّونَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْخَبَرَ قَالَ:

تَطَاوَلَ اللَّيْلُ عَلَيْنَا دَمُّونْ دَمُّونُ ... إِنَّا مَعْشَرٌ يَمَانُونْ

إِنَّنَا لِقَوْمِنَا مُحِبُّونْ

ثُمَّ قَالَ ضَيَّعَنِي صَغِيرًا وَحَمَّلَنِي دَمَهُ كَبِيرًا، لَا صَحْوَ الْيَوْمَ وَلَا سُكْرَ غَدًا، " الْيَوْمَ خَمْرٌ وَغَدًا أَمْرٌ ". فَذَهَبَتْ مَثَلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>