ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ بِبَكْرٍ وَتَغْلِبَ، فَسَأَلَهُمُ النَّصْرَ عَلَى بَنِي أَسَدٍ، فَأَجَابُوهُ. فَبَعَثَ الْعُيُونَ إِلَى بَنِي أَسَدٍ، فَنُذِرُوا بِهِ، فَلَجَأُوا إِلَى بَنِي كِنَانَةَ، وَعُيُونُ امْرِئِ الْقَيْسِ مَعَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ عِلْبَاءُ بْنُ الْحَارِثِ: اعْلَمُوا أَنَّ عُيُونَ امْرِئِ الْقَيْسِ قَدْ عَادُوا إِلَيْهِ بِخَبَرِكُمْ وَأَنَّكُمْ عِنْدَ بَنِي كِنَانَةَ، فَارْحَلُوا بِلَيْلٍ وَلَا تُعْلِمُوا بَنِي كِنَانَةَ. فَارْتَحَلُوا. وَأَقْبَلَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ بَكْرٍ وَتَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي كِنَانَةَ، وَهُوَ يَظُنُّهُمْ بَنِي أَسَدٍ فَوَضَعَ السِّلَاحَ فِيهِمْ وَقَالَ: يَا لِثَارَاتِ الْهُمَامِ! فَقِيلَ لَهُ: أَبَيْتَ اللَّعْنَ! لَسْنَا لَكَ بِثَأْرٍ، نَحْنُ بَنُو كِنَانَةَ فَدُونَكَ ثَأْرَكَ فَاطْلُبْهُمْ فَإِنَّ الْقَوْمَ قَدْ سَارُوا بِالْأَمْسِ. فَتَبِعَ بَنِي أَسَدٍ، فَفَاتُوهُ لَيْلَتَهُمْ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
أَلَا يَا لَهْفَ هِنْدٍ إِثْرَ قَوْمٍ ... هُمُ كَانُوا الشِّفَاءَ فَلَمْ يُصَابُوا
وَقَاهُمْ جَدُّهُمْ بِبَنِي أَبِيهِمْ ... وَبِالْأَشْقَيْنِ مَا كَانَ الْعِقَابُ
وَأَفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءُ جَرِيضًا ... وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ
يَعْنِي بِبَنِي أَبِيهِمْ كِنَانَةَ، فَإِنَّ أَسَدًا وَكِنَانَةَ ابْنَيْ خُزَيْمَةَ هُمَا أَخَوَانِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ، قِيلَ: كَانُوا قَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا إِبِلَهُ فَصَفِرَتْ وِطَابُهُ مِنَ اللَّبَنِ، أَيْ خَلَتْ، وَقِيلَ: كَانُوا قَتَلُوهُ فَخَلَا جِلْدُهُ، وَهُوَ وِطَابُهُ، مِنْ دَمِهِ بِقَتْلِهِ.
فَسَارَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي آثَارِ بَنِي أَسَدٍ فَأَدْرَكَهُمْ ظُهْرًا، وَقَدْ تَقَطَّعَتْ خَيْلُهُ وَهَلَكُوا عَطَشًا، وَبَنُو أَسَدٍ نَازِلُونَ عَلَى الْمَاءِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى كَثُرَتِ الْقَتْلَى بَيْنَهُمْ وَهَرَبَتْ بَنُو أَسَدٍ. فَلَمَّا أَصْبَحَتْ بَكْرٌ وَتَغْلِبُ أَبَوْا أَنْ يَتْبَعُوهُمْ وَقَالُوا: قَدْ أَصَبْتَ ثَأْرَكَ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ. فَقَالُوا: بَلَى وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ مَشْؤُومٌ وَكَرِهُوا قَتْلَهُمْ بَنِي كِنَانَةَ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ، وَمَضَى إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute