فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ رَأَى السُّلْطَانُ فِي مَنَامِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَكَأَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: يُحَكِّمُكَ اللَّهُ فِي بِلَادِهِ وَعِبَادِهِ، فَلَا تُرَاقِبُهُ فِيهِمْ، وَلَا تَسْتَحْيِي مِنْ جَلَالِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي سُوءِ مُعَامَلَتِهِمْ، وَتَغْتَرَّ بِإِهْمَالِهِ عِنْدَ الْجَوْرِ عَلَيْهِمْ!
فَاسْتَيْقَظَ فَزِعًا، وَأَحْضَرَ عَمِيدَ الْمُلْكِ، وَحَدَّثَهُ مَا رَأَى، وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعَرِّفُهُ أَنَّهُ يُقَابِلُ مَا رَسَمَ بِهِ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَأَخْرَجَ الْجُنْدَ مِنْ دُورِ الْعَامَّةِ، وَأَمَرَ أَنْ يَظْهَرَ مَنْ كَانَ مُخْتَفِيًا، وَأَزَالَ التَّوْكِيلَ عَمَّنْ كَانَ وَكَّلَ بِهِ.
فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى الرَّحِيلِ عَنْ بَغْدَاذَ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ أَهْلِهَا، وَهُوَ يَتَرَدَّدُ فِيهِ، إِذْ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِهَذِهِ الْوَقْعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ عَاشِرَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَمَعَهُ خَزَائِنُ السِّلَاحِ، وَالْمَنْجَنِيقَاتُ، وَكَانَ مُقَامُهُ بِبَغْدَاذَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَأَيَّامًا، لَمْ يَلْقَ الْخَلِيفَةَ فِيهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا أَوَانَا نَهَبَهَا الْعَسْكَرُ، وَنَهَبُوا عُكْبَرَا وَغَيْرَهُمَا.
وَوَصَلَ إِلَى تَكْرِيتَ فَحَصَرَهَا، وَبِهَا صَاحِبُهَا نَصْرُ بْنُ (عَلِيِّ بْنِ خَمِيسٍ) فَنَصَبَ عَلَى الْقَلْعَةِ عَلَمًا أَسْوَدَ، وَبَذَلَ مَالًا، فَقَبِلَهُ السُّلْطَانُ. وَرَحَلَ عَنْهُ إِلَى الْبَوَازِيجِ يَنْتَظِرُ جَمْعَ الْعَسَاكِرِ لِيَسِيرَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَلَمَّا رَحَلَ عَنْ تَكْرِيتَ تُوُفِّيَ صَاحِبُهَا، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَمِيرَةَ بِنْتِ غَرِيبِ بْنِ مَقْنٍ، فَخَافَتْ أَنْ يَمْلِكَ الْبَلْدَةَ أَخُوهُ أَبُو الْغِشَّامِ، فَقَتَلَتْهُ وَسَارَتْ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَنَزَلَتْ عَلَى دُبَيْسِ بْنِ مَزْيَدٍ، فَتَزَوَّجَهَا قُرَيْشُ بْنُ بَدْرَانَ، وَلَمَّا رَحَلَتْ عَنْ تَكْرِيتَ اسْتَخْلَفَتْ بِهَا أَبَا الْغَنَائِمِ ابْنَ الْمُحْلِبَانِ، فَرَاسَلَ رَئِيسَ الرُّؤَسَاءِ وَاسْتَعْطَفَهُ، فَصَلُحَ مَا بَيْنَهُمَا، وَسَلَّمَ تَكْرِيتَ إِلَى السُّلْطَانِ وَرَحَلَ إِلَى بَغْدَاذَ.
وَأَقَامَ السُّلْطَانُ بِالْبَوَازِيجِ إِلَى أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] فَأَتَاهُ أَخُوهُ يَاقُوتِيٌّ فِي الْعَسَاكِرِ، فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَأَقْطَعَ مَدِينَةَ بَلَدَ لِهَزَارَسْبَ بْنِ بُنْكِيرَ، فَأَجْفَلَ أَهْلُ الْبِلَادِ إِلَى بَلَدَ، (فَأَرَادَ الْعَسْكَرُ نَهْبَهُمْ، فَمَنَعَهُمُ السُّلْطَانُ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute