للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْذُلُونَكَ، وَيَرْمُونَ دُونَكَ بِسِهَامٍ لَا تُخْطِئُ، وَهُمُ الْعُلَمَاءُ وَالزُّهَّادُ، فَقَدْ جَعَلْتَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْظَمَ أَعْوَانِكَ.

وَقَرُبَ السُّلْطَانُ مِنْ قُتُلْمِشْ، فَلَبِسَ نِظَامُ الْمُلْكِ السِّلَاحَ، وَعَبَّأَ الْكَتَائِبَ، وَاصْطَفَّ الْعَسْكَرَانِ.

وَكَانَ قُتُلْمِشْ يَعْلَمُ عِلْمَ النُّجُومِ، فَوَقَفَ وَنَظَرَ، فَرَأَى أَنَّ طَالِعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَدْ قَارَنَهُ نُحُوسٌ لَا يَرَى مَعَهَا ظَفَرًا، فَقَصَدَ الْمُحَاجَزَةَ، وَجَعَلَ السَّبْخَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَلْب أَرْسَلَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنَ اللِّقَاءِ. فَسَلَكَ أَلْب أَرْسَلَانَ طَرِيقًا فِي الْمَاءِ، وَخَاضَ غَمْرَتَهُ، وَتَبِعَهُ الْعَسْكَرُ، فَطَلَعَ مِنْهُ سَالِمًا هُوَ وَعَسْكَرُهُ، فَصَارُوا مَعَ قُتُلْمِشْ وَاقْتَتَلُوا، فَلَمْ يَثْبُتْ عَسْكَرُ قُتُلْمِشْ لِعَسْكَرِ السُّلْطَانِ، وَانْهَزَمُوا لِسَاعَتِهِمْ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا إِلَى قَلْعَةِ كَرْدَكُوهَ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ حُصُونِهِ وَمَعَاقِلِهِ، وَاسْتَوْلَى الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ عَلَى عَسْكَرِهِ، فَأَرَادَ السُّلْطَانُ قَتْلَ الْأَسْرَى، فَشَفَعَ فِيهِمْ نِظَامُ الْمُلْكِ فَعَفَا عَنْهُمْ وَأَطْلَقَهُمْ.

وَلَمَّا سَكَنَ الْغُبَارُ، وَنَزَلَ الْعَسْكَرُ، وُجِدَ قُتُلْمِشْ مَيِّتًا مُلْقًى عَلَى الْأَرْضِ لَا يُدْرَى كَيْفَ كَانَ مَوْتُهُ، قِيلَ: إِنَّهُ مَاتَ مِنَ الْخَوْفِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَبَكَى السُّلْطَانُ لِمَوْتِهِ، وَقَعَدَ لِعَزَائِهِ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ فَقْدُهُ، فَسَلَّاهُ نِظَامُ الْمُلْكِ، وَدَخَلَ أَلْب أَرْسَلَانَ إِلَى مَدِينَةِ الرَّيِّ آخِرَ الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّنَةِ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ قُتُلْمِشْ هَذَا كَانَ يَعْلَمُ عِلْمَ النُّجُومِ، قَدْ أَتْقَنَهُ، مَعَ أَنَّهُ تُرْكِيٌّ، وَيَعْلَمُ غَيْرَهُ مِنْ عُلُومِ الْقَوْمِ، ثُمَّ إِنَّ أَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَمْ يَزَالُوا يَطْلُبُونَ هَذِهِ الْعُلُومَ الْأَوَّلِيَّةَ، وَيُقَرِّبُونَ أَهْلَهَا، فَنَالَهُمْ بِهَذَا غَضَاضَةٌ فِي دِينِهِمْ، وَسَيَرِدُ مِنْ أَخْبَارِهِمْ مَا يُعْلَمُ (مِنْهُ ذَلِكَ) وَغَيْرُهُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>