ذِكْرُ فَتْحِ أَلْب أَرْسَلَانَ مَدِينَةَ آنِي وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ النَّصْرَانِيَّةِ.
ثُمَّ سَارَ السُّلْطَانُ مِنَ الرَّيِّ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَسَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، فَوَصَلَ إِلَى مَرَنْدَ عَازِمًا عَلَى قِتَالِ الرُّومِ وَغَزْوِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ بِمَرَنْدَ أَتَاهُ أَمِيرٌ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكُمَانَ، كَانَ يُكْثِرُ غَزْوَ الرُّومِ، اسْمُهُ طُغْدَكِينَ، وَمَعَهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، قَدْ أَلِفُوا الْجِهَادَ، وَعَرَفُوا تِلْكَ الْبِلَادَ، وَحَثَّهُ عَلَى قَصْدِ بِلَادِهِمْ، وَضَمِنَ لَهُ سُلُوكَ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ إِلَيْهَا، فَسَارَ مَعَهُ، فَسَلَكَ بِالْعَسَاكِرِ فِي مَضَايِقِ تِلْكَ الْأَرْضِ وَمَخَارِمِهَا، فَوَصَلَ إِلَى نَقْجُوَانَ، فَأَمَرَ بِعَمَلِ السُّفُنِ لِعُبُورِ نَهْرِ أَرَسَ، فَقِيلَ لَهُ إِنَّ سُكَّانَ خُوَيَّ، وَسَلَمَاسَ، مِنْ أَذْرَبِيجَانَ، لَمْ يَقُومُوا بِوَاجِبِ الطَّاعَةِ، وَإِنَّهُمْ قَدِ امْتَنَعُوا بِبِلَادِهِمْ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَمِيدَ خُرَاسَانَ، وَدَعَاهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ، وَتَهَدَّدَهُمْ إِنِ امْتَنَعُوا، فَأَطَاعُوا، وَصَارُوا مِنْ جُمْلَةِ حِزْبِهِ وَجُنْدِهِ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ هُنَاكَ مِنَ الْمُلُوكِ وَالْعَسَاكِرِ مَا لَا يُحْصَى.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ جَمْعِ الْعَسَاكِرِ وَالسُّفُنِ سَارَ إِلَى بِلَادِ الْكُرْجِ، وَجَعَلَ مَكَانَهُ فِي عَسْكَرِهِ وَلَدَهُ مَلِكْشَاهْ، وَنِظَامَ الْمُلْكِ وَزِيرَهُ، فَسَارَ مَلِكْشَاهْ وَنِظَامُ الْمُلْكِ إِلَى قَلْعَةٍ فِيهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الرُّومِ، فَنَزَلَ أَهْلُهَا مِنْهَا، وَتَخَطَّفُوا مِنَ الْعَسْكَرِ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ فِئَةً كَثِيرَةً، فَنَزَلَ نِظَامُ الْمُلْكِ وَمَلِكْشَاهْ، وَقَاتَلُوا مَنْ بِالْقَلْعَةِ، وَزَحَفُوا إِلَيْهِمْ، فَقُتِلَ أَمِيرُ الْقَلْعَةِ، وَمَلَكَهَا الْمُسْلِمُونَ، وَسَارُوا مِنْهَا إِلَى قَلْعَةِ سُرْمَارِي، وَهِيَ قَلْعَةٌ فِيهَا الْمِيَاهُ الْجَارِيَةُ وَالْبَسَاتِينُ، فَقَاتَلُوهَا وَمَلَكُوهَا، وَأَنْزَلُوا مِنْهَا أَهْلَهَا، وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا قَلْعَةٌ أُخْرَى، فَفَتَحَهَا مَلِكْشَاهْ، وَأَرَادَ تَخْرِيبَهَا، فَنَهَاهُ نِظَامُ الْمُلْكِ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: هِيَ ثَغْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَشَحَنَهَا بِالرِّجَالِ وَالذَّخَائِرِ وَالْأَمْوَالِ وَالسِّلَاحِ، وَسَلَّمَ هَذِهِ الْقِلَاعَ إِلَى أَمِيرِ نَقْجُوَانَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute