وَسَارَ مَلِكْشَاهْ وَنِظَامُ الْمُلْكِ إِلَى مَدِينَةِ مَرْيَمَ نَشِينَ، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ وَمُلُوكِ النَّصَارَى وَعَامَّتِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَهِيَ مَدِينَةٌ حَصِينَةٌ، سُورُهَا مِنَ الْأَحْجَارِ الْكِبَارِ الصُّلْبَةِ، الْمَشْدُودَةِ بِالرَّصَاصِ وَالْحَدِيدِ، وَعِنْدَهَا نَهْرٌ كَبِيرٌ، فَأَعَدَّ نِظَامُ الْمُلْكِ لِقِتَالِهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ السُّفُنِ وَغَيْرِهَا، وَقَاتَلَهَا، وَوَاصَلَ قِتَالَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَجَعَلَ الْعَسَاكِرَ عَلَيْهَا يُقَاتِلُونَ بِالنَّوْبَةِ، فَضَجِرَ الْكُفَّارُ، وَأَخَذَهُمُ الْإِعْيَاءُ وَالْكَلَالُ، فَوَصَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سُورِهَا، وَنَصَبُوا عَلَيْهِ السَّلَالِيمَ، وَصَعِدُوا إِلَى أَعْلَاهُ، لِأَنَّ الْمَعَاوِلَ كَلَّتْ عَنْ نَقْبِهِ لِقُوَّةِ حَجَرِهِ.
فَلَمَّا رَأَى أَهْلُهَا الْمُسْلِمِينَ عَلَى السُّورِ فَتَّ ذَلِكَ فِي أَعَضَادِهِمْ، وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، وَدَخَلَ مَلِكْشَاهْ الْبَلَدَ، وَنِظَامُ الْمُلْكِ، وَأَحْرَقُوا الْبِيَعَ، وَخَرَّبُوهَا، وَقَتَلُوا كَثِيرًا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَسْلَمَ كَثِيرٌ فَنَجَوْا مِنَ الْقَتْلِ.
وَاسْتَدْعَى أَلْب أَرْسَلَانَ إِلَيْهِ ابْنَهُ، وَنِظَامَ الْمُلْكِ، وَفَرِحَ بِمَا يَسَّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْفَتْحِ عَلَى يَدِ وَلَدِهِ، وَفَتَحَ مَلِكْشَاهْ فِي طَرِيقِهِ عِدَّةً مِنَ الْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ، وَأَسَرَ مِنَ النَّصَارَى مَا لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً، وَسَارُوا إِلَى سُبِيذَ شَهْرَ، فَجَرَى بَيْنَ أَهْلِهَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حُرُوبٌ شَدِيدَةٌ اسْتُشْهِدَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسَّرَ فَتْحَهَا فَمَلَكَهَا أَلْب أَرْسَلَانَ.
وَسَارَ مِنْهَا إِلَى مَدِينَةِ أَعَآلَ لَآلَ، وَهِيَ حَصِينَةٌ، عَالِيَةُ الْأَسْوَارِ، شَاهِقَةُ الْبُنْيَانِ، وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ عَلَى جَبَلٍ عَالٍ، وَعَلَى الْجَبَلِ عِدَّةٌ مِنَ الْحُصُونِ، وَمِنَ الْجَانِبَيْنِ الْآخَرَيْنِ نَهْرٌ كَبِيرٌ لَا يُخَاضُ، فَلَمَّا رَآهَا الْمُسْلِمُونَ عَلِمُوا عَجْزَهُمْ عَنْ فَتْحِهَا وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا، وَكَانَ مَلِكُهَا مِنَ الْكُرْجِ، وَهَكَذَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَتْحَهَا، وَعَقَدَ السُّلْطَانُ جِسْرًا عَلَى النَّهْرِ عَرِيضًا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ وَعَظُمَ الْخَطْبُ، فَخَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ رَجُلَانِ يَسْتَغِيثَانِ، وَيَطْلُبَانِ الْأَمَانَ، وَالْتَمَسَا مِنَ السُّلْطَانِ أَنْ يُرْسِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute