وَعَادَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ إِلَى مَوْضِعِهِ إِلَى الْجِيزَةِ. وَفَعَلَ شَاذِي مَا أَمَرَهُ، فَرَكِبَ إِلْدِكْز إِلَى الْقَصْرِ، فَرَأَى شَاذِي فِي جَمْعِهِ، فَأَنْكَرَهُ وَأَسْرَعَ فَدَخَلَ الْقَصْرَ، فَفَاتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ الْوَزِيرُ فِي مَوْكِبِهِ، فَقَتَلَهُ شَاذِي، وَأَرْسَلَ إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ يَأْمُرُهُ بِالرُّكُوبِ، فَرَكِبَ إِلَى بَابِ الْقَاهِرَةِ، فَقَالَ إِلْدِكْز لِلْمُسْتَنْصِرِ: إِنْ لَمْ تَرْكَبْ، وَإِلَّا هَلَكْتَ أَنْتَ وَنَحْنُ. فَرَكِبَ، وَلَبِسَ سِلَاحَهُ، وَتَبِعَهُ خَلْقٌ عَظِيمٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَالْجُنْدِ، وَاصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ، فَحَمَلَ الْأَتْرَاكُ عَلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ فَانْهَزَمَ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَمَضَى مُنْهَزِمًا عَلَى وَجْهِهِ لَا يَلْوِي عَلَى شَيْءٍ، وَتَبِعَهُ فَلُّ أَصْحَابِهِ، وَمَضَى إِلَى بَنِي سِنْبِسٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ وَصَاهَرَهُمْ فَقَوِيَ بِهِمْ.
وَتَجَهَّزَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَيْهِ لِيُبْعِدُوهُ، فَسَارُوا حَتَّى قَرُبُوا مِنْهُ، وَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ، فَأَرَادَ أَحَدُ الْمُقَدَّمِينَ أَنْ يَفُوزَ بِالظَّفَرِ وَحْدَهُ دُونَ أَصْحَابِهِ، فَعَبَرَ فِيمَنْ مَعَهُ إِلَى نَاصِرِ الدَّوْلَةِ، وَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَاتَلَهُ، فَظَفِرَ بِهِ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، فَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِي أَصْحَابِهِ، وَعَبَرَ الْعَسْكَرُ الثَّانِي، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَا جَرَى عَلَى أَصْحَابِهِمْ، فَحَمَلَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ عَلَيْهِمْ، وَرَفَعَ رُءُوسَ الْقَتْلَى عَلَى الرِّمَاحِ، فَوَقَعَ الرُّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ، فَانْهَزَمُوا وَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَقَوِيَتْ نَفْسُ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ.
وَعَبَرَ الْعَسْكَرُ الثَّالِثُ، فَهَزَمَهُ وَأَكْثَرَ الْقَتْلَ فِيهِمْ، وَأَسَرَ مُقَدِّمَهُمْ، وَعَظُمَ أَمْرُهُ، وَنَهَبَ الرِّيفَ فَأَقْطَعَهُ، وَقَطَعَ الْمِيرَةَ عَنْ مِصْرَ بَرًّا وَبَحْرًا، فَغَلَتِ الْأَسْعَارُ بِهَا، وَكَثُرَ الْمَوْتُ بِالْجُوعِ، وَامْتَدَّتْ أَيْدِي الْجُنْدِ بِالْقَاهِرَةِ إِلَى النَّهْبِ وَالْقَتْلِ، وَعَظُمَ الْوَبَاءُ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ كَانُوا يَمُوتُونَ كُلُّهُمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَاشْتَدَّ الْغَلَاءُ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً أَكَلَتْ رَغِيفًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَاسْتُبْعِدَ ذَلِكَ، فَقِيلَ: إِنَّهَا بَاعَتْ عُرُوضًا قِيمَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، وَاشْتَرَتْ بِهَا حِنْطَةٌ وَحَمَلَهَا الْحَمَّالُ عَلَى ظَهْرِهِ، فَنُهِبَتِ الْحِنْطَةُ فِي الطَّرِيقِ، فَنَهَبَتْ هِيَ مَعَ النَّاسِ، فَكَانَ الَّذِي حَصَلَ لَهَا مَا عَمِلَتْهُ رَغِيفًا وَاحِدًا.
وَقَطَعَ نَاصِرُ الدَّوْلَةِ الطَّرِيقَ بَرًّا وَبَحْرًا، فَهَلَكَ الْعَالَمُ، وَمَاتَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute