لَوْ
أَنَّ خَيْلِيَ أَدْرَكَتْكَ وَجَدْتَهُمْ ... مِثْلَ اللُّيُوثِ بِسَتْرِ غُبِّ عَرِينِ
وَيَقُولُ فِيهَا:
وَلَأُورِدَنَّ الْخَيْلَ بَطْنَ أَرَاكَةٍ ... وَلَأَقْضِيَنَّ بِفِعْلِ ذَاكَ دُيُونِي
وَلَأَقْتُلَنَّ جَحَاجِحًا مِنْ بِكْرِكُمْ ... وَلَأُبْكِيَنَّ بِهَا جُفُونَ عُيُونِ
حَتَّى تَظَلَّ الْحَامِلَاتُ مَخَافَةً ... مِنْ وَقَعِنَا يَقْذِفْنَ كُلَّ جَنِينِ
وَقِيلَ فِي تَرْتِيبِ الْأَيَّامِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَكَانَ أَبُو نُوَيْرَةَ التَّغْلِبِيُّ وَغَيْرُهُ طَلَائِعَ قَوْمِهِ، وَكَانَ جَسَّاسٌ وَغَيْرُهُ طَلَائِعَ قَوْمِهِمْ، وَالْتَقَى بَعْضَ اللَّيَالِي جَسَّاسٌ وَأَبُو نُوَيْرَةَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو نُوَيْرَةَ: اخْتَرْ إِمَّا الصِّرَاعَ أَوِ الطِّعَانَ أَوِ الْمُسَايَفَةَ. فَاخْتَارَ جَسَّاسٌ الصِّرَاعَ، فَاصْطَرَعَا وَأَبْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى أَصْحَابِ حَيِّهِ، وَطَلَبُوهُمَا فَأَصَابُوهُمَا وَهُمَا يَصْطَرِعَانِ، وَقَدْ كَادَ جَسَّاسٌ يَصْرَعُهُ، فَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا.
وَجَعَلَتْ تِغْلِبُ تَطْلُبُ جَسَّاسًا أَشَدَّ الطَّلَبِ، فَقَالَ لَهُ مُرَّةُ: الْحَقْ بِأَخْوَالِكَ بِالشَّامِ، فَامْتَنَعَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ أَبُوهُ فَسَيَّرَهُ سِرًّا فِي خَمْسَةِ نَفَرٍ: وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْمُهَلْهِلِ، فَنَدَبَ أَبَا نُوَيْرَةَ وَمَعَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ شُجْعَانِ أَصْحَابِهِ فَسَارُوا مُجِدِّينَ، فَأَدْرَكُوا جَسَّاسًا، فَقَاتَلَهُمْ فَقُتِلَ أَبُو نُوَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرُ رَجُلَيْنِ، وَجُرِحَ جَسَّاسٌ جُرْحًا شَدِيدًا مَاتَ مِنْهُ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَسْلَمْ غَيْرُ رَجُلَيْنِ أَيْضًا، فَعَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّالِمَيْنِ إِلَى أَصْحَابِهِ. فَلَمَّا سَمِعَ مُرَّةُ قَتْلَ ابْنِهِ جَسَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا يُحْزِنُنِي أَنْ كَانَ لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا. فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ قَتَلَ بِيَدِهِ أَبَا نُوَيْرَةَ رَئِيسَ الْقَوْمِ، وَقَتَلَ مَعَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مَا شَرَكَهُ مِنَّا أَحَدٌ فِي قَتْلِهِمْ وَقَتَلْنَا نَحْنُ الْبَاقِينَ، فَقَالَ: ذَلِكَ مِمَّا يُسْكِنُ قَلْبِي عَنْ جَسَّاسٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ جَسَّاسًا آخِرُ مَنْ قُتِلَ فِي حَرْبِ بَكْرٍ وَتَغْلِبَ، وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ أَنَّ أُخْتَهُ جَلِيلَةَ كَانَتْ تَحْتَ كُلَيْبِ وَائِلٍ. فَلَمَّا قُتِلَ كُلَيْبٌ عَادَتْ إِلَى أَبِيهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَوَقَعَتِ الْحَرْبُ، وَكَانَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَا كَانَ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْمُوَادَعَةِ بَعْدَمَا كَادَتِ الْفِئَتَانِ تَتَفَانَيَانِ، فَوَلَدَتْ أُخْتُ جَسَّاسٍ غُلَامًا فَسَمَّتْهُ هِجْرِسًا، وَرَبَّاهُ جَسَّاسٌ، وَكَانَ لَا يَعْرِفُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute