أَبًا غَيْرَهُ، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَوَقَعَ بَيْنَ هِجْرِسَ وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ بَكْرٍ كَلَامٌ، فَقَالَ لَهُ الْبَكْرِيُّ: مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ حَتَّى نُلْحِقَكَ بِأَبِيكَ. فَأَمْسَكَ عَنْهُ وَدَخَلَ إِلَى أُمِّهِ كَئِيبًا حَزِينًا فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ. فَلَمَّا نَامَ إِلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ رَأَتْ مِنْ هَمِّهِ وَفِكْرِهِ مَا أَنْكَرَتْهُ، فَقَصَّتْ عَلَى أَبِيهَا جَسَّاسٍ قِصَّتَهُ، فَقَالَ: ثَائِرٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ! وَبَاتَ عَلَى مِثْلِ الرَّضْفِ حَتَّى أَصْبَحَ، فَأَحْضَرَ الْهِجْرِسَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّمَا أَنْتَ وَلَدِي وَأَنْتَ مِنِّي بِالْمَكَانِ الَّذِي تَعَلَمُ، وَزَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، وَقَدْ كَانَتِ الْحَرْبُ فِي أَبِيكَ زَمَانًا طَوِيلًا، وَقَدِ اصْطَلَحْنَا وَتَحَاجَزْنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ تَدْخُلَ فِي مَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الصُّلْحِ، وَأَنْ تَنْطَلِقَ مَعِي حَتَّى نَأْخُذَ عَلَيْكَ مِثْلَ مَا أُخِذَ عَلَيْنَا. فَقَالَ الْهِجْرِسُ: أَنَا فَاعِلٌ. فَحَمَلَهُ جَسَّاسٌ عَلَى فَرَسٍ فَرَكِبَهُ وَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَقَالَ: مِثْلِي لَا يَأْتِي أَهْلَهُ بِغَيْرِ سِلَاحِهِ، فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا جَمَاعَةً مِنْ قَوْمِهِمَا، فَقَصَّ عَلَيْهِمْ جَسَّاسٌ الْقِصَّةَ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْهِجْرِسَ يَدْخُلُ فِي الَّذِي دَخَلَ فِيهِ جَمَاعَتُهُمْ وَقَدْ حَضَرَ لِيَعْقِدَ مَا عَقَدْتُمْ. فَلَمَّا قَرَّبُوا الدَّمَ وَقَامُوا إِلَى الْعَقْدِ أَخَذَ الْهِجْرِسُ بِوَسَطِ رُمْحِهِ ثُمَّ قَالَ: وَفَرَسِي وَأُذُنَيْهِ، وَرُمْحِي وَنَصْلَيْهِ، وَسَيْفِي وَغِرَارَيْهِ لَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، ثُمَّ طَعَنَ جَسَّاسًا فَقَتَلَهُ وَلَحِقَ بِقَوْمِهِ، وَكَانَ آخِرَ قَتِيلٍ فِي بَكْرٍ. وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ.
وَنَرْجِعُ إِلَى سِيَاقَةِ الْحَدِيثِ.
فَلَمَّا قُتِلَ جَسَّاسٌ أَرْسَلَ أَبُوهُ مُرَّةُ إِلَى الْمُهَلْهِلِ: إِنَّكَ قَدْ تَرَكْتَ ثَأْرَكَ وَقَتَلْتَ جَسَّاسًا، فَاكْفُفْ عَنِ الْحَرْبِ وَدَعِ اللَّجَاجَ وَالْإِسْرَافَ وَأَصْلِحْ ذَاتَ الْبَيْنِ فَهُوَ أَصْلَحُ لِلْحَيَّيْنِ وَأَنْكَأُ لِعَدُوِّهِمْ، فَلَمْ يُجَبْ إِلَى ذَلِكَ.
وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَادٍ قَدِ اعْتَزَلَ الْحَرْبَ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا، فَلَمَّا قُتِلَ جَسَّاسٌ وَهَمَّامٌ ابْنَا مُرَّةَ حَمَلَ ابْنَهُ بُجَيْرًا، وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَادٍ أَخِي الْحَارِثِ بْنِ عُبَادٍ، فَلَمَّا حَمَلَهُ عَلَى النَّاقَةِ كَتَبَ مَعَهُ إِلَى الْمُهَلْهِلِ: إِنَّكَ قَدْ أَسْرَفْتَ فِي الْقَتْلِ وَأَدْرَكْتَ ثَأْرَكَ سِوَى مَا قَتَلْتَ مِنْ بَكْرٍ، وَقَدْ أَرْسَلْتُ ابْنِي إِلَيْكَ فَإِمَّا قَتَلْتَهُ بِأَخِيكَ وَأَصْلَحْتَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَإِمَّا أَطْلَقْتَهُ وَأَصْلَحْتَ ذَاتَ الْبَيْنِ، فَقَدْ مَضَى مِنَ الْحَيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْحُرُوبِ مَنْ كَانَ بَقَاؤُهُ خَيْرًا لَنَا وَلَكُمْ. فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى كِتَابِهِ أَخَذَ بُجَيْرًا فَقَتَلَهُ وَقَالَ: بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُوهُ بِقَتْلِهِ ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ بِأَخِيهِ لِيُصْلِحَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ، فَقَالَ: نِعْمَ الْقَتِيلُ قَتِيلًا أَصْلَحَ بَيْنَ ابْنَيْ وَائِلٍ! فَقِيلَ: إِنَّهُ قَالَ: (بُؤْ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ) ، فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَادٍ وَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute