للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْلَةً وَمَلَكَهَا، وَقَتَلَ مَنْ بِهَا مَنْ بَنِي قُشَيْرٍ، وَأَخَذَ جَعْبَرَ مِنْ صَاحَبِهَا، وَهُوَ شَيْخٌ أَعْمَى، وَوَلَدَيْنِ لَهُ، وَكَانَتِ الْأَذِيَّةُ بِهِمْ عَظِيمَةٌ يَقْطَعُونَ الطُّرُقَ وَيَلْجَئُونَ إِلَيْهَا.

ثُمَّ عَبَرَ الْفُرَاتَ إِلَى مَدِينَةِ حَلَبَ، فَمَلَكَ فِي طَرِيقِهِ مَدِينَةَ مَنْبِجَ، فَلَمَّا قَارَبَ حَلَبَ رَحَلَ عَنْهَا أَخُوهُ تُتُشْ، وَكَانَ قَدْ مَلَكَ الْمَدِينَةَ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَسَارَ عَنْهَا يَسْلُكُ الْبَرِّيَّةَ، وَمَعَهُ الْأَمِيرُ أُرْتُقُ، فَأَشَارَ بِكَبْسِ عَسْكَرِ السُّلْطَانِ، وَقَالَ: إِنَّهُمْ قَدْ وَصَلُوا، وَبِهِمْ وَبِدَوَابِّهِمْ مِنَ التَّعَبِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ مَعَهُ امْتِنَاعٌ، وَلَوْ فَعَلَ لَظَفِرَ بِهِمْ.

فَقَالَ تُتُشْ: لَا أَكْسِرُ جَاهَ أَخِي الَّذِي أَنَا مُسْتَظِلٌّ بِظِلِّهِ، فَإِنَّهُ يَعُودُ بِالْوَهَنِ عَلَيَّ أَوَّلًا.

وَسَارَ إِلَى دِمَشْقَ، وَلَمَّا وَصَلَ السُّلْطَانُ إِلَى حَلَبَ تَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ سَالِمُ بْنُ مَالِكٍ الْقَلْعَةَ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ عَنْهَا قَلْعَةَ جَعْبَرٍ، وَكَانَ سَالِمٌ قَدِ امْتَنَعَ بِهَا أَوَّلًا، فَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَنْ يُرْمَى إِلَيْهِ رَشْقًا وَاحِدًا بِالسِّهَامِ، فَرَمَى الْجَيْشُ، فَكَادَتِ الشَّمْسُ تَحْتَجِبُ لِكَثْرَةِ السِّهَامِ، فَصَانَعَ عَنْهَا بِقَلْعَةِ جَعْبَرٍ وَسَلَّمَهَا، وَسَلَّمَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ قَلْعَةَ جَعْبَرٍ، فَبَقِيَتْ بِيَدِهِ وَبِيَدِ أَوْلَادِهِ إِلَى أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُمْ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْأَمِيرُ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُنْقِذٍ الْكِنَانِيُّ، صَاحِبُ شَيْزَرَ، فَدَخَلَ فِي طَاعَتِهِ، وَسَلَّمَ إِلَيْهِ اللَّاذِقِيَّةَ، وَكَفَرْطَابَ، وَأَفَامِيَةَ، فَأَجَابَهُ إِلَى الْمُسَالَمَةِ، وَتَرَكَ قَصْدَهُ، وَأَقَرَّ عَلَيْهِ شَيْزَرَ.

وَلَمَّا مَلَكَ السُّلْطَانُ حَلَبَ سَلَّمَهَا إِلَى قَسِيمِ الدَّوْلَةِ آقْسَنْقَرَ، فَعَمَّرَهَا، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>