للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمَّيْزِ، وَكَانَ هُنَاكَ كَثِيرًا، فَأَحْرَقَ الْفِرِنْجُ بَعْضَ الشَّجَرِ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ فِيهِ، وَقَتَلُوا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ، وَعَادَ الْأَفْضَلُ فِي خَوَاصِّهِ إِلَى مِصْرَ وَنَازَلَ الْفِرِنْجُ عَسْقَلَانَ، وَضَايَقُوهَا، فَبَذَلَ لَهُمْ أَهْلُهَا قَطِيعَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقِيلَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ عَادُوا إِلَى الْقُدْسِ.

ذِكْرُ ابْتِدَاءِ ظُهُورِ السُّلْطَانِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهْ

كَانَ السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ وَسَنْجَرُ أَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأَبٍ، أُمُّهُمَا أُمُّ وَلَدٍ، وَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ مَلِكْشَاهْ كَانَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ بِبَغْدَاذَ، فَسَارَ مَعَ أَخِيهِ مَحْمُودٍ، وَتَرْكَانْ خَاتُونْ زَوْجَةِ وَالِدِهِ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَلَمَّا حَصَرَ بَرْكِيَارُقُ أَصْبَهَانَ خَرَجَ مُحَمَّدٌ مُتَخَفِّيًا، وَمَضَى إِلَى وَالِدَتِهِ، وَهِيَ فِي عَسْكَرِ أَخِيهِ بَرْكِيَارُقَ، وَقَصَدَ أَخَاهُ السُّلْطَانَ بَرْكِيَارُقَ، وَسَارَ مَعَهُ إِلَى بَغْدَاذَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَأَقْطَعُهُ بَرْكِيَارُقُ كَنْجَةَ وَأَعْمَالَهَا، وَجَعَلَ مَعَهُ أَتَابِكًا لَهُ الْأَمِيرَ قَتْلَغْ تِكِينَ، فَلَمَّا قَوِيَ مُحَمَّدٌ قَتَلَهُ، وَاسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ أَرَّانَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ كَنْجَةُ، فَعُرِفَ ذَلِكَ الْوَقْتَ شَهَامَةُ مُحَمَّدٍ.

وَكَانَ السُّلْطَانُ مَلِكْشَاهْ قَدْ أَخَذَ تِلْكَ الْبِلَادَ مِنْ فَضْلُونَ بْنِ أَبِي الْأَسْوَارِ الرَّوَّادِيِّ، وَسَلَّمَهَا إِلَى سَرْهَنْكَ سَاوْتِكِينَ الْخَادِمِ، وَأَقْطَعَ فَضْلُونَ أَسْتَرَابَاذَ، وَعَادَ فَضلُونُ ضِمْنَ بِلَادِهِ، ثُمَّ عَصَى فِيهَا لَمَّا قَوِيَ، فَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَيْهِ الْأَمِيرَ بُوزَانَ، فَحَارَبَهُ وَأَسَرَهُ، وَأَقْطَعَ بِلَادَهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: يَاغِي سِيَانُ، صَاحِبُ أَنْطَاكِيَةَ، وَلَمَّا مَاتَ يَاغِي سِيَانُ عَادَ وَلَدُهُ إِلَى وِلَايَةِ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، وَتُوُفِّيَ فَضْلُونُ بِبَغْدَاذَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ [وَأَرْبَعِمِائَةٍ] وَهُوَ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْإِضَاقَةِ فِي مَسْجِدٍ عَلَى دِجْلَةَ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ تَنَقُّلَ الْأَحْوَالِ بِمُؤَيَّدِ الْمُلْكِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ، وَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْأَمِيرِ أُنَرَ، فَحَسَّنَ لَهُ عِصْيَانَ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَلَمَّا قُتِلَ أُنَرُ سَارَ إِلَى الْمَلِكِ مُحَمَّدٍ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِمُخَالَفَةِ أَخِيهِ، وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِ السَّلْطَنَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَقَطَعَ خُطْبَةَ بَرْكِيَارُقَ مِنْ بِلَادِهِ، وَخَطَبَ لِنَفْسِهِ بِالسَّلْطَنَةِ وَاسْتَوْزَرَ مُؤَيَّدَ الْمُلْكِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>