وَلُقِّبَ " غِيَاثَ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ".
ذِكْرُ قَتْلِ مَجْدِ الْمُلْكِ الْبَلَاسَانِيِّ
قَدْ ذَكَرْنَا تَحَكُّمَ مَجْدِ الْمُلْكِ أَبِي الْفَضْلِ أَسْعَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَتَمَكُّنَهُ مِنْهَا. فَلَمَّا بَلَغَ الْغَايَةَ الَّتِي لَا مَزِيدَ عَلَيْهَا جَاءَتْهُ نَكَبَاتُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ.
وَأَمَّا سَبَبُ قَتْلِهِ، فَإِنَّ الْبَاطِنِيَّةَ لَمَّا تَوَالَى مِنْهُمْ قَتْلُ الْأُمَرَاءِ الْأَكَابِرِ مِنَ الدَّوْلَةِ السُّلْطَانِيَّةِ، نَسَبُوا ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَضَعَهُمْ عَلَى قَتْلِ مَنْ قَتَلُوهُ، وَعَظَّمَ ذَلِكَ قَتْلُ الْأَمِيرِ بُرْسُقَ، فَاتَّهَمَ أَوْلَادُهُ زَنْكِيُّ وَاقْبُورِي وَغَيْرُهُمَا، مَجْدَ الْمُلْكِ بِقَتْلِهِ، وَفَارَقُوا السُّلْطَانَ.
وَسَارَ السُّلْطَانُ إِلَى زَنْجَانَ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ خُرُوجُ السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، فَطَمِعَ حِينَئِذٍ الْأُمَرَاءُ، فَأَرْسَلَ أَمِيرٌ آخَرُ، وَبَلْكَابِكُ، وَطُغَايَرْكُ بْنُ الْيَزَنِ، وَغَيْرُهُمْ، إِلَى الْأُمَرَاءِ بَنِي بُرْسُقَ يَسْتَحَضِرُونَهُمْ إِلَيْهِمْ لِيَتَّفِقُوا مَعَهُمْ عَلَى مُطَالَبَةِ السُّلْطَانِ بِتَسْلِيمِ مَجْدِ الْمُلْكِ إِلَيْهِمْ لِيَقْتُلُوهُ، فَحَضَرُوا عِنْدَهُمْ، فَأَرْسَلُوا إِلَى السُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، وَهُمْ بِسِجَاسَ، مَدِينَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ هَمَذَانَ، يَلْتَمِسُونَ تَسْلِيمَهُ إِلَيْهِمْ، وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرُ جَمِيعُهُ، وَقَالُوا: إِنْ سُلِّمَ إِلَيْنَا فَنَحْنُ الْعَبِيدُ الْمُلَازِمُونَ لِلْخِدْمَةِ، وَإِنْ مُنِعْنَا فَارَقْنَا، وَأَخَذْنَاهُ قَهْرًا. فَمَنَعَ السُّلْطَانُ مِنْهُ، فَأَرْسَلَ مَجْدُ الْمُلْكِ إِلَى السُّلْطَانِ يَقُولُ لَهُ: الْمَصْلَحَةُ أَنْ تَحْفَظَ أُمَرَاءَ دَوْلَتِكَ، وَتَقْتُلَنِي أَنْتَ لِئَلَّا يَقْتُلَنِي الْقَوْمُ فَيَكُونَ فِيهِ وَهَنٌ عَلَى دَوْلَتِكَ. فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُ السُّلْطَانِ بِقَتْلِهِ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْتَخْلِفُهُمْ عَلَى حِفْظِ نَفْسِهِ، وَحَبْسِهِ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، فَلَمَّا حَلَفُوا سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُ الْغِلْمَانُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ فَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُفَارِقُهُ كَفَنُهُ سَفْرًا وَحَضَرًا، فَفِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَتَحَ خَازِنُهُ صُنْدُوقًا، فَرَأَى الْكَفَنَ، فَقَالَ: وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا؟ إِنَّ أَمْرِي لَا يَئُولُ إِلَى كَفَنٍ، وَاللَّهِ مَا أَبْقَى إِلَّا طَرِيحًا عَلَى الْأَرْضِ. فَكَانَ كَذَلِكَ، وَرُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِقَائِلِهَا دَعْنِي.
وَلَمَّا قُتِلَ حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى مُؤَيَّدِ الْمُلْكِ بْنِ نِظَامِ الْمُلْكِ. وَكَانَ مَجْدُ الْمُلْكِ خَيِّرًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute