وَاتَّفَقَ أَنَّ صَاحِبَ غَزْنَةَ عَزَمَ عَلَى قَصْدِ أَوَتَانَ، وَهِيَ جِبَالٌ مَنِيعَةٌ، عَلَى أَرْبَعِينَ فَرْسَخًا مِنْ غَزْنَةَ، وَقَدْ عَصَى عَلَيْهِ فِيهَا قَوْمٌ، وَتَحَصَّنُوا بِمَعَاقِلِهَا، وَوُعُورِ مَسَالِكِهَا، فَقَاتَلَهُمْ عَسْكَرُ عَلَاءِ الدَّوْلَةِ، فَلَمْ يَظْفَرُوا مِنْهُمْ بِطَائِلٍ، فَتَقَدَّمَ كُنْدُغْدِي مُنْفَرِدًا عَنْهُمْ فَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا، وَنُصِرَ عَلَيْهِمْ، وَأَخَذَ غَنَائِمَهُمْ، وَحَمَلَهَا إِلَى عَلَاءِ الدَّوْلَةِ، فَلَمْ يَقْبَلُ مِنْهَا شَيْئًا، وَوَفَّرَهَا عَلَيْهِ، فَغَضِبَ الْعَسْكَرُ، وَحَسَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَعَلَى قُرْبِهِ مِنْ صَاحِبِهِمْ، وَنِفَاقِهِ عَلَيْهِ، فَأَشَارُوا بِقَبْضِهِ، وَقَالُوا: إِنَّا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَقْصِدَ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ فَيَفْعَلُ فِي أَمْرِ الدَّوْلَةِ مَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ. فَقَالَ: قَدْ تَحَقَّقْتُ قَصْدَكُمْ، وَلَكِنْ بِمَنْ أَقْبِضُ عَلَيْهِ؟ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ آمُرَكُمْ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ، فَيَنَالَكُمْ مِنْهُ مَا تَفْتَضِحُونَ بِهِ، فَقَالُوا: الصَّوَابُ أَنْ تُوَلِّيَهُ وِلَايَةً وَيُقْبَضُ عَلَيْهِ إِذَا سَارَ إِلَيْهَا. فَوَلَّاهُ حِصْنَيْنِ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَسْجُنَ فِيهِمَا مَنْ يَخَافُ جَانِبَهُ، فَسَارَ إِلَيْهِمَا.
فَلَمَّا قَارَبَهُمَا عَرِفَ مَا يُرَادُ مِنْهُ، فَأَحْرَقَ جَمِيعَ مَالِهِ، وَنَحْوَ جِمَالِهِ، وَسَارَ جَرِيدَةً، وَكَانَ فِي مُدَّةِ مُقَامِهِ بِغَزْنَةَ يَسْأَلُ عَنِ الطُّرُقِ وَتَشَّعُّبِهَا، فَإِنَّهُ نَدِمَ عَلَى قَصْدِ تِلْكَ الْجِهَةِ، فَلَمَّا سَارَ سَأَلَ رَاعِيًا عَنِ الطَّرِيقِ الَّتِي يُرِيدُهَا، فَدَلَّهُ، فَأَخَذَهُ مَعَهُ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ غَرَّهُ، وَلَمْ يَزَلْ سَائِرًا إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى قَرِيبِ هَرَاةَ، فَمَاتَ هُنَاكَ، وَهُوَ مِنْ مَمَالِيكِ تُتُشَ بْنِ أَلْبِ أَرْسِلَانَ الَّذِي كَحَلَهُ أَخُوهُ مَلِكْشَاهْ، وَسَجَنَهُ بِتِكْرِيتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حَادِثَتِهِ.
ذِكْرُ مُلْكِ مُحَمَّدْ خَانْ سَمَرْقَنْدَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَحْضَرَ السُّلْطَانُ سَنْجَرُ مُحَمَّدًا أَرْسَلَانَ خَانْ بْنَ سُلَيْمَانَ دَاوُدَ بُغْرَاخَانْ، مِنْ مَرْوَ، وَمَلَّكَهُ سَمَرْقَنْدَ، بَعْدَ قَتْلِ قَدَرْخَانْ، وَكَانَ مُحَمَّدْ خَانْ مِنْ أَوْلَادِ الْخَانِيَّةِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأُمُّهُ ابْنَةُ السُّلْطَانِ مَلِكْشَاهْ، فَدَفَعَ عَنْ مُلْكِ آبَائِهِ، فَقَصَدَ مُرْوَ، وَأَقَامَ بِهَا إِلَى الْآنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute