فَبَيْنَمَا هُمْ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ، إِذْ وَصَلَ إِلَى الْفِرِنْجِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي الْبَحْرِ، قَاصِدِينَ زِيَارَةِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ، فَنَدَبَهُمْ بَغْدَوِينُ لِلْغَزْوِ مَعَهُ، فَسَارُوا إِلَى عَسْقَلَانَ، وَبِهَا شَرَفُ الْمَعَالِي، فَلَمْ يَكُنْ يَقْوَى بِحَرْبِهِمْ، فَلَطَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُسْلِمِينَ، فَرَأَى الْفِرِنْجُ الْبَحَرِيَّةُ حَصَانَةَ عَسْقَلَانَ، وَخَافُوا الْبَيَاتَ، فَرَحَلُوا إِلَى يَافَا، وَعَادَ وَلَدُ الْأَفْضَلِ إِلَى أَبِيهِ، فَسَيَّرَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ تَاجُ الْعَجَمِ فِي الْبَرِّ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ مَمَالِيكِ أَبِيهِ، وَجَهَّزَ مَعَهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ، وَسَيَّرَ فِي الْبَحْرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ الْقَاضِي ابْنُ قَادُوسَ، فِي الْأُسْطُولِ، فَنَزَلَ الْأُسْطُولُ عَلَى يَافَا، وَنَزَلَ تَاجُ الْعَجَمِ عَلَى عَسْقَلَانَ، فَاسْتَدْعَاهُ ابْنُ قَادُوسٍ إِلَيْهِ لِيَتَّفِقَا عَلَى حَرْبِ الْفِرِنْجِ، فَقَالَ تَاجُ الْعَجَمِ: مَا يُمْكِنُنِي أَنْ أَنْزِلَ إِلَيْكَ إِلَّا بِأَمْرِ الْأَفْضَلِ، وَلَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ، وَلَا أَعَانَهُ، فَأَرْسَلَ الْقَادُوسِيُّ إِلَى قَاضِي عَسْقَلَانَ، وَشُهُودِهَا، وَأَعْيَانِهَا، وَأَخَذَ خُطُوطَهُمْ بِأَنَّهُ أَقَامَ عَلَى يَافَا عِشْرِينَ يَوْمًا، وَاسْتَدْعَى تَاجَ الْعَجَمِ، فَلَمْ يَأْتِهِ، وَلَا أَرْسَلَ رَجُلًا، فَلَمَّا وَقَفَ الْأَفْضَلُ عَلَى الْحَالِ أَرْسَلَ مَنْ قَبَضَ عَلَى تَاجِ الْعَجَمِ، وَأَرْسَلَ رَجُلًا، لَقَبُهُ جَمَالُ الْمُلْكِ، فَأَسْكَنَهُ عَسْقَلَانَ، وَجَعَلَهُ مُتَقَدَّمَ الْعَسَاكِرِ الشَّامِيَّةِ.
وَخَرَجَتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَبِيَدِ الْفِرِنْجِ، لَعَنَهُمُ اللَّهُ، الْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ، وَفِلَسْطِينُ، مَا عَدَا عَسْقَلَانَ، وَلَهُمْ أَيْضًا يَافَا، وَأَرْسُوفُ، وقَيْسَارِيَّةُ، وَحَيْفَا، وَطَبَرِيَّةُ، وَاللَّاذِقِيَّةُ، وَأَنْطَاكِيَةُ، وَلَهُمْ بِالْجَزِيرَةِ الرُّهَا، وَسَرُوجٌ.
وَكَانَ صَنْجِيلُ يُحَاصِرُ مَدِينَةَ طَرَابُلُسَ الشَّامِ، وَالْمَوَادُّ تَأْتِيهَا، وَبِهَا فَخْرُ الْمُلْكِ بْنُ عَمَّارٍ، وَكَانَ يُرْسِلُ أَصْحَابَهُ فِي الْمَرَاكِبِ يُغِيرُونَ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي بِيَدِ الْفِرِنْجِ، وَيَقْتُلُونَ مَنْ وَجَدُوا، وَقَصَدَ بِذَلِكَ أَنْ يَخْلُوَ السَّوَادُ مِمَّنْ يَزْرَعُ لِتَقِلَّ الْمَوَادُّ مِنَ الْفِرِنْجِ فَيَرْحَلُوا عَنْهُ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، سَادِسَ الْمُحَرَّمِ، تُوُفِّيَتْ بِنْتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ، الَّتِي كَانَتْ زَوْجَةَ السُّلْطَانِ طُغْرُلْبَكْ، وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالدِّينِ، وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَظْهِرُ بِاللَّهِ قَدْ أَلْزَمَهَا بَيْتَهَا، لِأَنَّهُ أُبْلِغَ عَنْهَا أَنَّهَا تَسْعَى فِي إِزَالَةِ دَوْلَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute