وَأَمَّا مُلْكُهُ مَارْدِينَ، فَإِنَّ كَرْبُوقَا خَرَجَ مِنَ الْمَوْصِلِ، فَقَصَدَ آمِدَ، وَحَارَبَ صَاحِبَهَا، فَاسْتَنْجَدَ صَاحِبُهَا وَهُوَ تُرْكُمَانِيٌّ، بِسُقْمَانَ، فَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَصَافَّ كَرْبُوقَا.
وَكَانَ عِمَادُ الدِّينِ زَنْكِي بْنُ آقَسَنْقَرَ، حِينَئِذٍ، صَبِيًّا قَدْ حَضَرَ مَعَ كَرْبُوقَا، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَبِيهِ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ ظَهَرَ سُقْمَانُ، فَأَلْقَى أَصْحَابُ آقَسَنْقَرَ زِنْكِي وَلَدَ صَاحِبِهِمْ بَيْنَ أَرْجُلِ الْخَيْلِ، وَقَالُوا: قَاتِلُوا عَنِ ابْنِ صَاحِبِكُمْ! فَقَاتَلُوا حِينَئِذٍ قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ سُقْمَانُ، وَأَسَرُوا ابْنَ أَخِيهِ يَاقُوتِي بْنَ أُرْتُقَ، فَسَجَنَهُ كَرْبُوقَا بِقَلْعَةِ مَارْدِينَ، وَكَانَ صَاحِبُهَا إِنْسَانًا مُغَنِيًّا لِلسُّلْطَانِ بَرْكِيَارُقَ، فَطَلَبَ مِنْهُ مَارْدِينَ وَأَعْمَالَهَا، فَأَقْطَعُهُ إِيَّاهَا، فَبَقِيَ يَاقُوتِي فِي حَبْسِهِ مُدَّةً، فَمَضَتْ زَوْجَةُ أُرْتُقَ إِلَى كَرْبُوقَا وَسَأَلَتْهُ إِطْلَاقَهُ، فَأَطْلَقَهُ، فَنَزَلَ عِنْدَ مَارْدِينَ، وَكَانَتْ قَدْ أَعْجَبَتْهُ، فَأَقَامَ لِيَعْمَلَ فِي تَمَلُّكِهَا، وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا.
وَكَانَ مَنْ عِنْدَ مَارْدِينَ مِنَ الْأَكْرَادِ قَدْ طَمِعُوا فِي صَاحِبِهَا الْمُغَنِيِّ، وَأَغَارُوا عَلَى أَعْمَالِ مَارْدِينَ عِدَّةَ دُفْعَاتٍ، فَرَاسَلَهُ يَاقُوتِي يَقُولُ: قَدْ صَارَ بَيْنَنَا مَوَدَّةٌ وَصَدَاقَةٌ، وَأُرِيدُ أَنْ أُعَمِّرَ بَلَدَكَ بِأَنْ أَمْنَعَ عَنْهُ الْأَكْرَادَ، وَأُغِيرَ عَلَى الْأَمَاكِنِ، وَآخُذَ الْأَمْوَالَ أُنْفِقُهَا فِي بَلَدِكَ وَأُقِيمُ فِي الرَّبَضِ، فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَجَعَلَ يُغِيرُ مِنْ بَابِ خِلَاطٍ إِلَى بَغْدَاذَ، فَصَارَ يَنْزِلُ مَعَهُ بَعْضُ أَجْنَادِ الْقَلْعَةِ، طَلَبًا لِلْكَسْبِ.
وَهُوَ يُكْرِمُهُمْ، وَلَا يَعْتَرِضُهُمْ، فَأَمِنُوا إِلَيْهِ.
فَاتَّفَقَ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ نَزَلَ مَعَهُ أَكْثَرُهُمْ، فَلَمَّا عَادُوا مِنَ الْغَارَةِ أَمَرَ بِقَبْضِهِمْ وَتَقْيِيدِهِمْ، وَسَبَقَهُمْ إِلَى الْقَلْعَةِ، وَنَادَى مَنْ بِهَا مِنْ أَهْلِيهِمْ: إِنْ فَتَحْتُمُ الْبَابَ، وَإِلَّا ضَرَبْتُ أَعْنَاقَهُمْ، فَامْتَنَعُوا، فَقَتَلَ إِنْسَانًا مِنْهُمْ، فَسَلَّمَ الْقَلْعَةَ مَنْ بِهَا إِلَيْهِ وَبَقِيَ بِهَا.
ثُمَّ إِنَّهُ جَمَعَ جَمَعًا وَسَارَ إِلَى نَصِيبِينَ، وَأَغَارَ عَلَى بَلَدِ جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَهِيَ لِجَكَرْمَشَ، فَلَمَّا عَادَ أَصْحَابُهُ بِالْغَنِيمَةِ أَتَاهُمْ جَكَرْمِشُ، وَكَانَ يَاقُوتِي قَدْ أَصَابَهُ مَرَضٌ عَجَزَ مَعَهُ عَنْ لُبْسِ السِّلَاحِ، وَرُكُوبِ الْخَيْلِ، فَحُمِلَ إِلَى فَرَسِهِ فَرَكِبَهُ، وَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَسَقَطَ مِنْهُ، فَأَتَاهُ جَكَرْمِشُ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَكَى عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute