مَا صَنَعْتَ يَا يَاقُوتِي؟ فَلَمْ يُجِبْهُ، فَمَاتَ، وَمَضَتْ زَوْجَةُ أُرْتُقَ إِلَى ابْنِهَا سُقْمَانَ، وَجَمَعَتِ التُّرْكُمَانَ، وَطَلَبَتْ بِثَأْرِ ابْنِ ابْنِهَا، وَحَصَرَ سُقْمَانُ نَصِيبِينَ، وَهِيَ لِجَكَرْمَشَ، فَسَيَّرَ جَكَرْمِشُ إِلَى سُقْمَانَ مَالًا كَثِيرًا سِرًّا، فَأَخَذَهُ وَرَضِيَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ، وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ.
وَمَلَكَ مَارْدِينَ بَعْدَ يَاقُوتِي أَخُوهُ عَلِيٌّ، وَصَارَ فِي طَاعَةِ جَكَرْمِشَ، وَاسْتَخْلَفَ بِهَا أَمِيرًا اسْمُهُ عَلِيٌّ أَيْضًا، فَأَرْسَلَ عَلِيٌّ الْوَالِي بِمَارْدِينَ إِلَى سُقْمَانَ يَقُولُ لَهُ: ابْنُ أَخِيكَ يُرِيدُ أَنْ يُسَلِّمَ مَارْدِينَ إِلَى جَكَرْمِشَ، فَسَارَ سُقْمَانُ بِنَفْسِهِ وَتَسَلَّمَهَا، فَجَاءَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ابْنُ أَخِيهِ وَطَلَبَ إِعَادَةَ الْقَلْعَةِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَخَذْتُهَا لِئَلَّا يُخَرَّبَ الْبَيْتُ، فَأَقْطَعَهُ جَبَلَ جُورٍ، وَنَقَلَهُ إِلَيْهِ.
وَكَانَ جَكَرْمِشُ يُعْطِي عَلِيًّا كُلَّ سَنَةٍ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا أَخَذَ عَمُّهُ سُقْمَانُ مَارْدِينَ مِنْهُ، أَرْسَلَ إِلَى جَكَرْمِشَ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمَالَ، فَقَالَ: إِنَّمَا كُنْتُ أَعْطَيْتُكَ احْتِرَامًا لِمَارْدِينَ، وَخَوْفًا مِنْ مُجَاوَرَتِكَ، وَالْآنَ فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ، فَلَا قُدْرَةَ لَكَ عَلَيَّ.
ذِكْرُ حَالِ الْبَاطِنِيَّةِ هَذِهِ السَّنَةَ بِخُرَاسَانَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْإِسْمَاعِيلِيَّةِ مِنْ طُرَيْثِيثَ، عَنْ بَعْضِ أَعْمَالِ بَيْهَقَ، وَشَاعَتِ الْغَارَةُ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ فِي أَهْلِهَا، وَالنَّهْبَ لِأَمْوَالِهِمْ، وَالسَّبْيَ لِنِسَائِهِمْ، وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى الْهُدْنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَلَمْ يَكَفُّوا أَيْدِيَهُمْ عَمَّنْ يُرِيدُونَ قَتْلَهُ، لِاشْتِغَالِ السَّلَاطِينِ عَنْهُمْ، فَمِنْ جُمْلَةِ فِعْلِهِمْ: أَنَّ قَفَلَ الْحَاجِّ تَجَمَّعَ، هَذِهِ السَّنَةَ، مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَخُرَاسَانَ، وَالْهِنْدِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، فَوَصَلُوا إِلَى خُوَارِ الرَّيِّ، فَأَتَاهُمُ الْبَاطِنِيَّةُ وَقْتَ السَّحَرِ، فَوَضَعُوا فِيهِمُ السَّيْفَ، وَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَدَوَابَّهُمْ، وَلَمْ يَتْرُكُوا شَيْئًا.
وَقَتَلُوا هَذِهِ السَّنَةَ أَبَا جَعْفَرِ بْنَ الْمَشَّاطِ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الشَّافِعِيَّةِ، أَخَذَ الْفِقْهَ عَنِ الْخُجَنْدِيِّ، وَكَانَ يُدَرِّسُ بِالرَّيِّ، وَيَعِظُ النَّاسَ، فَلَمَّا نَزَلَ مِنْ كُرْسِيِّهِ أَتَاهُ بَاطِنِيٌّ فَقَتَلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute