عَبْدَ الْمَلِكِ فِي مَذْهَبِهِمْ، فَإِنَّهُ كَانَ أَدِيبًا بَلِيغًا، حَسَنَ الْخَطِّ، سَرِيعَ الْبَدِيهَةِ، عَفِيفًا، وَابْتُلِيَ بِحُبِّ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَكَانَ ابْنُهُ أَحْمَدُ هَذَا جَاهِلًا لَا يَعْرِفُ شَيْئًا، وَقِيلَ لِابْنِ الصَّبَّاحِ، صَاحِبِ قَلْعَةِ أَلَمَوْتَ: لِمَاذَا تُعَظِّمُ ابْنَ عَطَّاشٍ مَعَ جَهْلِهِ؟ قَالَ: لِمَكَانِ أَبِيهِ، لِأَنَّهُ كَانَ أُسْتَاذِي.
وَصَارَ لِابْنِ عَطَّاشٍ عَدَدٌ كَثِيرٌ، وَبَأْسٌ شَدِيدٌ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ بِالْقَلْعَةِ، فَكَانَ يُرْسِلُ أَصْحَابَهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ، وَقَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَى قَتْلِهِ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا لَا يُمْكِنُ إِحْصَاؤُهُمْ، وَجَعَلُوا لَهُ عَلَى الْقُرَى السُّلْطَانِيَّةِ وَأَمَّلَاكِ النَّاسِ ضَرَائِبَ يَأْخُذُونَهَا لِيَكَفُّوا عَنْهَا الْأَذَى، فَتَعَذَّرَ بِذَلِكَ انْتِفَاعُ السُّلْطَانِ بِقُرَاهُ، وَالنَّاسُ بِأَمْلَاكِهِمْ، وَتَمَشَّى لَهُمُ الْأَمْرُ بِالْخُلْفِ الْوَاقِعِ بَيْنَ السُّلْطَانَيْنِ بَرْكِيَارُقَ وَمُحَمَّدٍ.
فَلَمَّا صَفَتِ السَّلْطَنَةُ لِمُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مُنَازِعٌ، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَمْرٌ أَهَمَّ مِنْ قَصْدِ الْبَاطِنِيَّةِ وَحَرْبِهِمْ، وَالِانْتِصَافِ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ جَوْرِهِمْ وَعَسْفِهِمْ، فَرَأَى الْبِدَايَةَ بِقَلْعَةِ أَصْبَهَانَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ، لِأَنَّ الْأَذَى بِهَا أَكْثَرُ، وَهِيَ مُتَسَلِّطَةٌ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ، فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ فَحَاصَرَهُمْ فِي سَادِسِ شَعْبَانَ.
وَكَانَ قَدْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ أَوَّلَ رَجَبٍ، فَسَاءَ ذَلِكَ مَنْ يَتَعَصَّبُ لَهُمْ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَأَرْجَفُوا أَنَّ قِلْجَ أَرْسِلَانَ بْنَ سُلَيْمَانَ قَدْ وَرَدَ بَغْدَاذَ وَمَلَكَهَا، وَافْتَعَلُوا فِي ذَلِكَ مُكَاتَبَاتٍ، ثُمَّ أَظْهَرُوا أَنَّ خَلَلًا قَدْ تَجَدَّدَ بِخُرَاسَانَ، فَتَوَقَّفَ السُّلْطَانُ لِتَحْقِيقِ الْأَمْرِ، فَلَمَّا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ عَزَمَ عَزِيمَةَ مِثْلِهِ، وَقَصَدَ حَرْبَهُمْ، وَصَعِدَ جَبَلًا يُقَابِلُ الْقَلْعَةَ مِنْ غَرْبِيِّهَا، وَنُصِبَ لَهُ التَّخْتُ فِي أَعْلَاهُ، وَاجْتَمَعَ لَهُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَسَوَادِهَا لِحَرْبِهِمُ الْأُمَمُ الْعَظِيمَةُ لِلذُّحُولِ الَّتِي يُطَالِبُونَهُمْ بِهَا.
وَأَحَاطُوا بِجَبَلِ الْقَلْعَةِ وَدُورُهُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ، وَرَتَّبَ الْأُمَرَاءَ لِقِتَالِهِمْ، فَكَانَ يُقَاتِلُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ أَمِيرٌ، فَضَاقَ الْأَمْرُ بِهِمْ، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ عَلَيْهِمْ، وَتَعَذَّرَتْ عِنْدَهُمُ الْأَقْوَاتُ.
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ كَتَبُوا فَتْوَى فِيهَا: مَا يَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute