قَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَقٌّ وَصِدْقٌ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُونَ فِي الْإِمَامِ: هَلْ يَجُوزُ لِلسُّلْطَانِ مُهَادَنَتُهُمْ وَمُوَادَعَتُهُمْ، وَأَنْ يَقْبَلَ طَاعَتَهُمْ، وَيَحْرُسَهُمْ مِنْ كُلِّ أَذًى؟ فَأَجَابَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ بِجَوَازِ ذَلِكَ، وَتَوَقَّفَ بَعْضُهُمْ، فَجُمِعُوا لِلْمُنَاظَرَةِ، وَمَعَهُمْ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَنْجَانِيُّ، وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَالَ، بِمَحْضَرٍ مِنَ النَّاسِ، يَجِبُ قِتَالُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ بِمَكَانِهِمْ، وَلَا يَنْفَعُهُمُ التَّلَفُّظُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ: أَخْبِرُونَا عَنْ إِمَامِكُمْ، إِذَا أَبَاحَ لَكُمْ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ، أَوْ حَظَرَ عَلَيْكُمْ مَا أَبَاحَهُ الشَّرْعُ أَتَقْبَلُونَ أَمْرَهُ؟ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ نَعَمْ، وَحِينَئِذٍ تُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ. وَطَالَتِ الْمُنَاظَرَةُ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الْبَاطِنِيَّةَ سَأَلُوا السُّلْطَانَ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مَنْ يُنَاظِرُهُمْ، وَعَيَّنُوا عَلَى أَشْخَاصٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الْقَاضِي أَبُو الْعَلَاءِ صَاعِدُ بْنُ يَحْيَى، شَيْخُ الْحَنَفِيَّةِ بأَصْبَهَانَ، وَقَاضِيهَا، وَغَيْرُهُ، فَصَعِدُوا إِلَيْهِمْ وَنَاظَرُوهُمْ، وَعَادُوا كَمَا صَعِدُوا. وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّعَلُّلَ وَالْمُطَاوَلَةَ، فَلَجَّ حِينَئِذٍ السُّلْطَانُ فِي حَصْرِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْا عَيْنَ الْمُحَاقَّةِ، أَذْعَنُوا إِلَى تَسْلِيمِ الْقَلْعَةِ عَلَى أَنْ يُعْطَوْا عِوَضًا عَنْهَا قَلْعَةَ خَالِنْجَانَ، وَهِيَ عَلَى سَبْعَةِ فَرَاسِخَ مِنْ أَصْبَهَانَ، وَقَالُوا: إِنَّا نَخَافُ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا مِنَ الْعَامَّةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَكَانٍ نَحْتَمِي بِهِ مِنْهُمْ، فَأُشِيرَ عَلَى السُّلْطَانِ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، فَسَأَلُوا أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ إِلَى النَّوْرُوزِ لِيَرْحَلُوا إِلَى خَالِنْجَانَ وَيُسَلِّمُوا قَلْعَتَهُمْ، وَشَرَطُوا أَنْ لَا يَسْمَعَ قَوْلَ مُتَنَصِّحٍ فِيهِمْ، وَإِنْ قَالَ أَحَدٌ عَنْهُمْ شَيْئًا سَلَّمَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ مَا أَتَاهُ مِنْهُمْ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ، فَأَجَابَهُمْ إِلَيْهِ، وَطَلَبُوا أَنْ يَحْمِلَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْإِقَامَةِ مَا يَكْفِيهِمْ يَوْمًا بِيَوْمٍ، فَأُجِيبُوا إِلَيْهِ فِي كُلِّ هَذَا، وَقَصْدُهُمُ الْمُطَاوَلَةُ انْتِظَارًا لَفَتْقٍ أَوَحَادَثٍ يَتَجَدَّدُ.
وَرَتَّبَ لَهُمْ وَزِيرُ السُّلْطَانِ سَعْدُ الْمُلْكِ مَا يُحْمَلُ إِلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ الطَّعَامِ وَالْفَاكِهَةِ، وَجَمِيعِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، فَجَعَلُوا هُمْ يُرْسِلُونَ، وَيَبْتَاعُونَ مِنَ الْأَطْعِمَةِ مَا يَجْمَعُونَهُ لِيَمْتَنِعُوا فِي قَلْعَتِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ وَضَعُوا مِنْ أَصْحَابِهِمْ مَنْ يَقْتُلُ أَمِيرًا كَانَ يُبَالِغُ فِي قِتَالِهِمْ، فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وَجَرَحُوهُ، وَسَلِمَ مِنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِإِخْرَابِ قَلْعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute