أَحَدٌ، وَأَنْفَذَ خَيْلَهُ إِلَى بَلَدِ قَوْسَانَ، وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ صَدَقَةَ، فَنَهَبَهُ أَقْبَحَ نَهْبٍ، وَأَقَامَ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَأَرْسَلَ صَدَقَةُ إِلَيْهِ ثَابِتَ بْنَ سُلْطَانٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ صَدَقَةَ، وَمَعَهُ عَسْكَرٌ، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَيْهَا خَرَجَ مِنْهَا الْأَتْرَاكُ، وَأَقَامَ ثَابِتٌ بِهَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ دِجْلَةُ.
ثُمَّ إِنَّ ابْنَ بُوقَا عَبَّرَ جَمَاعَةً مِنَ الْجُنْدِ ارْتَضَاهُمْ، وَعَرَفَ شَجَاعَتَهُمْ، فَوَقَفُوا عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ عَلَى نَهْرٍ سَالِمٍ، يَكُونُ ارْتِفَاعُهُ نَحْوَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا، فَقَصَدَهُمْ ثَابِتٌ وَعَسْكَرُهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْرَبُوا التُّرْكَ مِنَ النُّشَّابِ، وَالْمَدَدُ يَأْتِيهِمْ مِنِ ابْنِ بُوقَا، وَجُرِحَ ثَابِتٌ فِي وَجْهِهِ، وَكَثُرَ الْجِرَاحُ فِي أَصْحَابِهِ، فَانْهَزَمَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَتَبِعَهُمُ الْأَتْرَاكُ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ، وَأَسَرُوا، وَنَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ التُّرْكِ مَدِينَةَ وَاسِطَ، وَاخْتَلَطَ بِهِمْ رَجَّالَةُ ثَابِتٍ، فَنَهَبَتْ مَعَهُمْ، فَسَمِعَ ابْنُ بُوقَا الْخَبَرَ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ وَمَنَعَهُمْ، وَقَدْ نَهَبُوا بَعْضَ الْبَلَدِ، وَنَادَى فِي النَّاسِ بِالْأَمَانِ، وَأَقْطَعَ السُّلْطَانُ، أَوَاخِرَ جُمَادَى الْأُولَى، مَدِينَةَ وَاسِطَ لِقَسِيمَ الدَّوْلَةِ الْبُرْسُقِيِّ وَأَمَرَ ابْنَ بُوقَا بِقَصْدِ بَلَدِ صَدَقَةَ وَنَهْبِهِ، فَنَهَبُوا فِيهِ مَا لَا يُحَدُّ.
وَأَمَّا السُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ فَإِنَّهُ سَارَ عَنْ بَغْدَاذَ إِلَى الزَّعْفَرَانِيَّةِ، ثَانِيَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ وَزِيرَهُ مَجْدَ الدِّينِ بْنَ الْمُطَّلِبِ يَأْمُرُهُ بِالتَّوَقُّفِ، وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ خَوْفًا عَلَى الرَّعِيَّةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ، وَأَشَارَ قَاضِي أَصْبَهَانَ بِذَلِكَ، وَاتِّبَاعِ أَمْرِ الْخَلِيفَةِ، فَأَجَابَ السُّلْطَانُ إِلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ إِلَى صَدَقَةَ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ عَلِيَّ بْنَ طَرَّادٍ، وَجَمَالَ الدَّوْلَةِ مُخْتَصًّا الْخَادِمَ، فَسَارُوا إِلَى صَدَقَةَ فَأَبْلَغَاهُ رِسَالَةَ الْخَلِيفَةِ يَأْمُرُهُ بِطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَيَنْهَاهُ عَنِ الْمُخَالَفَةِ، فَاعْتَذَرَ صَدَقَةُ، وَقَالَ: مَا خَالَفْتُ الطَّاعَةَ، وَلَا قَطَعْتُ الْخُطْبَةَ فِي بَلَدِي. وَجَهَّزَ ابْنَهُ دُبَيْسًا لِيَسِيرَ مَعَهُمَا إِلَى السُّلْطَانِ.
(فَبَيْنَمَا الرُّسُلُ) وَصَدَقَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، إِذْ وَرَدَ الْخَبَرُ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِ السُّلْطَانِ قَدْ عَبَرُوا مِنْ مَطِيرَابَاذَ، وَأَنَّ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ صَدَقَةَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ، فَتَجَلَّدَ صَدَقَةُ لِأَجْلِ الرُّسُلِ، وَهُوَ يَشْتَكِي الرُّكُوبَ إِلَى أَصْحَابِهِ خَوْفًا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ الرُّسُلُ إِذَا سَمِعُوا ذَلِكَ يُنْكِرُونَهُ لِأَنَّهُمْ قَدْ تَقَدَّمُوا إِلَى الْعَسْكَرِ، عِنْدَ عُبُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى حَرْبٍ، حَتَّى نَعُودَ، فَإِنَّ الصُّلْحَ قَدْ قَارَبَ. فَقَالَ صَدَقَةُ لِلرَّسُولِ: كَيْفَ أَثِقُ أُرْسِلُ وَلَدِيَ الْآنَ وَكَيْفَ آمَنُ عَلَيْهِ، وَقَدْ جَرَى مَا تَرَوْنَ؟ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute