تَكَفَّلْتُمْ بِرَدِّهِ إِلَيَّ أَنَفَذْتُهُ. فَلَمْ يَتَجَاسَرُوا عَلَى كَفَالَتِهِ، فَكَتَبَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَعْتَذِرُ عَنْ إِنْفَاذِ وَلَدِهِ بِمَا جَرَى.
وَكَانَ سَبَبُ هَذِهِ الْوَقْعَةِ أَنَّ عَسْكَرَ السُّلْطَانِ لَمَّا رَأَوُا الرُّسُلَ اعْتَقَدُوا وُقُوعَ الصُّلْحِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرَّأْيُ أَنَّنَا نَنْهَبُ شَيْئًا قَبْلَ الصُّلْحِ، فَأَجَابَ الْبَعْضُ وَامْتَنَعَ الْبَعْضُ، فَعَبَرَ مَنْ أَجَابَ النَّهْرَ، وَلَمْ يَتَأَخَّرْ مَنْ لَمْ يُجِبْ لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَى خَوَرٍ وَجُبْنٍ، وَلِئَلَّا يَتِمَّ عَلَى مَنْ عَبَرَ وَهَنٌ، فَيَكُونَ عَارُهُ وَأَذَاهُ عَلَيْهِمْ، فَعَبَرُوا بَعْدَهُمْ أَيْضًا، فَأَتَاهُمْ أَصْحَابُ صَدَقَةَ وَقَاتَلُوهُمْ، فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ عَلَى الْأَتْرَاكِ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَأُسِرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِهِمْ، وَكَثِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَغَرِقَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ: الْأَمِيرُ مُحَمَّدُ بْنُ يَاغِي سِيَّانَ الَّذِي كَانَ أَبُوهُ صَاحِبَ أَنْطَاكِيَةَ، وَكَانَ عُمُرُهُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَ مُحِبًّا (لِلْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ) ، وَبَنَى بِإِقْطَاعِهِ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ عِدَّةَ مَدَارِسَ. وَلَمْ يَجْسُرِ الْأَتْرَاكُ عَلَى أَنْ يُعَرِّفُوا السُّلْطَانَ بِمَا أُخِذَ مِنْهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالدَّوَابِّ خَوْفًا مِنْهُ، حَيْثُ فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
وَطَمِعَ الْعَرَبُ بِهَذِهِ الْهَزِيمَةِ، وَظَهَرَ مِنْهُمُ الْفَخْرُ وَالتِّيهُ وَالطَّمَعُ، وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ بَاعُوا كُلَّ أَسِيرٍ بِدِينَارٍ، وَأَنَّ ثَلَاثَةً بَاعُوا أَسِيرًا بِخَمْسَةِ قَرَارِيطَ وَأَكَلُوا بِهَا خُبْزًا وَهَرِيسَةً، وَجَعَلُوا يُنَادُونَ: مَنْ يَتَغَدَّى بِأَسِيرٍ، وَيَتَعَشَّى بِآخَرَ؟ وَظَهَرَ مِنَ الْأَتْرَاكِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ.
وَأَعَادَ الْخَلِيفَةُ مُكَاتَبَةَ صَدَقَةَ بِتَحْرِيرِ أَمْرِ الصُّلْحِ، فَأَجَابَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ، وَكَتَبَ صَدَقَةُ أَيْضًا إِلَى السُّلْطَانِ يَعْتَذِرُ مِمَّا نُقِلَ عَنْهُ، وَمِنَ الْحَرْبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَبَيْنَ الْأَتْرَاكِ، وَأَنَّ جُنْدَ السُّلْطَانِ (عَبَرَتْ إِلَى) أَصْحَابِهِ، فَمَنَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَحْضُرِ الْحَرْبَ، وَلَمْ يَنْزِعْ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، وَلَا قَطَعَ خُطْبَتَهُ مِنْ بَلَدِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ صَدَقَةُ كَاتَبَهُ قَبْلَ هَذَا الْكِتَابِ، فَأَرْسَلَ الْخَلِيفَةُ نَقِيبَ النُّقَبَاءِ، وَأَبَا سَعْدٍ الْهَرَوِيَّ إِلَى صَدَقَةَ، (فَقَصَدَ السُّلْطَانَ أَوَّلًا، وَأَخَذَ يَدَهُ بِالْأَمَانِ لِمَنْ يَقْصِدُهُ مَنْ أُقَارِبِ صَدَقَةَ، فَلَمَّا وَصَلَا إِلَى صَدَقَةَ) وَقَالَا لَهُ عَنِ الْخَلِيفَةِ: إِنَّ إِصْلَاحَ قَلْبِ السُّلْطَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute