مَوْقُوفٌ عَلَى إِطْلَاقِ الْأَسْرَى، وَرَدِّ جَمِيعِ مَا أُخِذَ مِنَ الْعَسْكَرِ الْمُنْهَزِمِ، فَأَجَابَ أَوَّلًا بِالْخُضُوعِ وَالطَّاعَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ قَدَرْتُ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ السُّلْطَانِ فَعَلْتُ، لَكِنَّ وَرَائِي مِنْ ظَهْرِي، وَظَهْرِ أَبِي وَجَدِّي، ثَلَاثَمِائَةِ امْرَأَةٍ، وَلَا يَحْمِلُهُنَّ مَكَانٌ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّنِي إِذَا جِئْتُ السُّلْطَانَ مُسْتَسْلِمًا قَبِلَنِي وَاسْتَخْدَمَنِي لَفَعَلْتُ، لَكِنَّنِي أَخَافُ أَنَّهُ لَا يُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَا يَعْفُو عَنْ زَلَّتِي.
وَأَمَّا مَا نُهِبَ فَإِنَّ الْخَلْقَ كَثِيرٌ، وَعِنْدِي مَنْ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَدْ نَهَبُوا وَدَخَلُوا الْبَرَّ، فَلَا طَاقَةَ لِي عَلَيْهِمْ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ السُّلْطَانُ لَا يُعَارِضُنِي فِيمَا فِي يَدِي، وَلَا فِيمَنْ أَجَرْتُهُ، وَأَنْ يُقِرَّ سُرْخَابَ بْنَ كَيْخَسْرُو عَلَى إِقْطَاعِهِ بِسَاوَةَ، وَأَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى ابْنِ بُوقَا بِإِعَادَةِ مَا نُهِبَ مِنْ بِلَادِي، وَأَنْ يَخْرُجَ وَزِيرُ الْخَلِيفَةِ يُحَلِّفُهُ بِمَا أَثِقُ بِهِ مِنَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَحِينَئِذٍ أَخْدِمُ بِالْمَالِ، وَأَدُوسُ بِسَاطَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
فَعَادُوا بِهَذَا، وَمَعَهُمْ أَبُو مَنْصُورِ بْنُ مَعْرُوفٍ، رَسُولُ صَدَقَةَ، فَرَدَّهُمُ الْخَلِيفَةُ، وَأَرْسَلَ السُّلْطَانُ مَعَهُمْ قَاضِيَ أَصْبَهَانَ أَبَا إِسْمَاعِيلَ، فَأَمَّا أَبُو إِسْمَاعِيلَ فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، وَعَادَ مِنَ الطَّرِيقِ، وَأَصَرَّ صَدَقَةُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ. فَحِينَئِذٍ سَارَ السُّلْطَانُ، ثَامِنَ رَجَبٍ، مِنَ الزَّعْفَرَانِيَّةِ، وَسَارَ صَدَقَةُ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى قَرْيَةِ مَطَرٍ، وَأَمَرَ جُنْدَهُ بِلُبْسِ السِّلَاحِ، وَاسْتَأْمَنَ ثَابِتَ بْنَ السُّلْطَانِ بْنِ دُبَيْسِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَزْيَدٍ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ صَدَقَةَ، إِلَى السُّلْطَانِ مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَحْسُدُ صَدَقَةَ، وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَنَّهُ كَانَ بِوَاسِطَ، فَأَكْرَمَهُ السُّلْطَانُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَوَعَدَهُ الْإِقْطَاعَ.
وَوَرَدَتِ الْعَسَاكِرُ إِلَى السُّلْطَانِ مِنْهُمْ: بَنُو بُرْسُقَ، وَعَلَاءُ الدَّوْلَةِ أَبُو كَالِيجَارَ كَرْشَاسِبُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَرَامَرْزَ (أَبِي جَعْفَرِ بْنِ كَاكَاوَيْهِ وَآبَاؤُهُ كَانُوا أَصْحَابَ أَصْبَهَانَ، وَفَرَامَرْزَ) هُوَ الَّذِي سَلَّمَهَا إِلَى طُغْرَلْبَكْ، وَقُتِلَ أَبُوهُ مَعَ تُتُشَ.
وَعَبَرَ عَسْكَرُ السُّلْطَانِ دِجْلَةَ، وَلَمْ يَعْبُرْ هُوَ، فَصَارُوا مَعَ صَدَقَةَ عَلَى أَرْضٍ وَاحِدَةٍ، بَيْنَهُمَا نَهَرٌ، وَالْتَقَوْا تَاسِعَ عَشَرَ رَجَبٍ، وَكَانَتِ الرِّيحُ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا صَارَتْ فِي ظُهُورِهِمْ، وَفِي وُجُوهِ أَصْحَابِ صَدَقَةَ، ثُمَّ إِنَّ الْأَتْرَاكَ رَمَوْا بِالنُّشَّابِ، فَكَانَ يَخْرُجُ فِي كُلِّ رَشْقَةٍ عَشْرَةُ آلَافِ نَشَّابَةٍ، فَلَمْ يَقَعْ سَهْمٌ إِلَّا فِي فَرَسٍ أَوْ فَارِسٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ صَدَقَةَ كُلَّمَا حَمَلُوا مَنَعَهُمُ النَّهْرُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْأَتْرَاكِ وَالنُّشَّابُ، وَمَنْ عَبَرَ مِنْهُمْ لَمْ يَرْجِعْ، وَتَقَاعَدَتْ عُبَادَةُ وَخَفَاجَةُ، وَجَعَلَ صَدَقَةُ يُنَادِي: يَا آلَ خُزَيْمَةَ، يَا آلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute