نَاشِرَةَ، يَا آلَ عَوْفٍ، وَوَعَدَ الْأَكْرَادَ بِكُلِّ جَمِيلٍ لِمَا ظَهَرَ مِنْ شَجَاعَتِهِمْ، وَكَانَ رَاكِبًا عَلَى فَرَسِهِ الْمَهْلُوبِ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِثْلُهُ، فَجُرِحَ الْفَرَسُ ثَلَاثَ جِرَاحَاتٍ وَأَخَذَهُ الْأَمِيرُ أَحْمَدَيْلُ بَعْدَ قَتْلِ صَدَقَةَ، فَسَيَّرَهُ إِلَى بَغْدَاذَ فِي سَفِينَةٍ، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ.
وَكَانَ لِصَدَقَةَ فَرَسٌ آخَرُ قَدْ رَكِبَهُ حَاجِبُهُ أَبُو نَصْرِ بْنُ تُفَّاحَةَ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ وَقَدْ غَشُوا صَدَقَةَ هَرَبَ عَلَيْهِ، فَنَادَاهُ صَدَقَةُ، فَلَمْ يُجِبْهُ، وَحَمَلَ صَدَقَةُ عَلَى الْأَتْرَاكِ، وَضَرَبَهُ غُلَامٌ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِهِ فَشَوَّهَهُ، وَجَعَلَ يَقُولُ: أَنَا مَلِكُ الْعَرَبِ، أَنَا صَدَقَةُ! فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فِي ظَهْرِهِ، وَأَدْرَكَهُ غُلَامٌ اسْمُهُ بَزْغَشُ، كَانَ أَشَلَّ، فَتَعَلَّقَ بِهِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ، وَجَذَبَهُ عَنْ فَرَسِهِ، فَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ هُوَ وَالْغُلَامُ، فَعَرَفَهُ صَدَقَةُ، فَقَالَ: يَا بَزْغَشُ ارْفُقْ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، وَأَخَذَ رَأْسَهُ وَحَمْلَهُ إِلَى الْبُرْسُقِيِّ، فَحَمَلَهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَلَمَّا رَآهُ عَانَقَهُ، وَأَمَرَ لِبَزْغَشَ بِصِلَةٍ.
وَبَقِيَ صَدَقَةُ طَرِيحًا إِلَى أَنْ سَارَ السُّلْطَانُ، فَدَفَنَهُ إِنْسَانٌ مِنَ الْمَدَائِنِ. وَكَانَ عُمُرُهُ تِسْعًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَحُمِلُ رَأْسُهُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافِ فَارِسٍ، فِيهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقُتِلَ مِنْ بَنِي شَيْبَانَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلًا، وَأُسِرَ ابْنُهُ دُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ، وَسُرْخَابُ بْنُ كَيْخَسْرُو الدَّيْلَمِيُّ الَّذِي كَانَتْ هَذِهِ الْحَرْبُ بِسَبَبِهِ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ، فَطَلَبَ الْأَمَانَ، فَقَالَ: قَدْ عَاهَدْتُ اللَّهَ أَنَّنِي لَا أَقْتُلُ أَسِيرًا، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْكَ أَنَّكَ بَاطِنِيٌّ قَتَلْتُكَ، وَأُسِرَ سَعِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْعُمَرِيُّ، صَاحِبُ جَيْشِ صَدَقَةَ، وَهَرَبَ بَدْرَانُ بْنُ صَدَقَةَ إِلَى الْحِلَّةِ، فَأَخَذَ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ مَا أَمْكَنَهُ، وَسَيَّرَ أُمَّهُ وَنِسَاءَهُ إِلَى الْبَطِيحَةِ إِلَى مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْجَبْرِ، وَكَانَ بَدْرَانُ صِهْرَ مُهَذِّبِ الدَّوْلَةِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَنَهَبَ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَكَانَ لَهُ مِنَ الْكُتُبِ الْمَنْسُوبَةِ الْخَطِّ شَيْءٌ كَثِيرٌ، أُلُوفٌ مُجَلَّدَاتٌ، وَكَانَ يُحْسِنُ يَقْرَأُ، وَلَا يَكْتُبُ، وَكَانَ جَوَادًا، حَلِيمًا، صَدُوقًا، كَثِيرَ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ، مَا بَرِحَ مَلْجَأً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute