للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكُلِّ مَلْهُوفٍ، يَلْقَى مَنْ يَقْصِدُهُ بِالْبِرِّ وَالتَّفَضُّلِ، وَيَبْسُطُ قَاصِدِيهِ، وَيَزُورُهُمْ، وَكَانَ عَادِلًا، وَالرَّعَايَا مَعَهُ فِي أَمْنٍ وَدَعَةٍ، وَكَانَ عَفِيفًا لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَى امْرَأَتِهِ، وَلَا تَسَرَّى عَلَيْهَا، فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِ هَذَا؟ وَلَمْ يُصَادِرْ أَحَدًا مِنْ نُوَّابِهِ، وَلَا أَخْذَهُمْ بِإِسَاءَةٍ قَدِيمَةٍ، وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُودِعُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي خِزَانَتِهِ، وَيُدِلُّونَ عَلَيْهِ إِدْلَالَ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِرَعِيَّةٍ أَحَبَّتْ أَمِيرَهَا كَحُبِّ رَعِيَّتِهِ لَهُ.

وَكَانَ مُتَوَاضِعًا، مُحْتَمِلًا، يَحْفَظُ الْأَشْعَارَ، وَيُبَادِرُ إِلَى النَّادِرَةِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لَقَدْ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الدُّنْيَا.

وَعَادَ السُّلْطَانُ إِلَى بَغْدَاذَ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْحِلَّةِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْبَطِيحَةِ أَمَانًا لِزَوْجَةِ صَدَقَةَ، وَأَمَرَهَا بِالظُّهُورِ فَأَصْعَدَتْ إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَطْلَقَ السُّلْطَانُ ابْنَهَا دُبَيْسًا، وَأَنْفَذَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ إِلَى لِقَائِهَا، فَلَمَّا لَقِيَهَا ابْنُهَا بَكَيَا بُكَاءً شَدِيدًا، وَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى بَغْدَاذَ أَحْضَرَهَا السُّلْطَانُ، وَاعْتَذَرَ مِنْ قَتْلِ زَوْجِهَا، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَيَّ حَتَّى كُنْتُ أَفْعَلُ مَعَهُ مَا يَعْجَبُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْجَمِيلِ وَالْإِحْسَانِ، لَكِنَّ الْأَقْدَارَ غَلَبَتْنِي. وَاسْتَحْلَفَ ابْنَهَا دُبَيْسًا أَنَّهُ لَا يَسْعَى بِفَسَادٍ.

ذِكْرُ وَفَاةِ تَمِيمِ بْنِ الْمُعِزِّ صَاحِبِ إِفْرِيقِيَّةَ وَوِلَايَةِ ابْنِهِ يَحْيَى

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَجَبٍ، تُوُفِّيَ تَمِيمُ بْنُ الْمُعِزِّ بْنِ بَادِيسٍ، صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ، وَكَانَ شَهْمًا، شُجَاعًا، ذَكِيًّا، لَهُ مَعْرِفَةٌ حَسَنَةٌ، وَكَانَ حَلِيمًا، كَثِيرَ الْعَفْوِ عَنِ الْجَرَائِمِ الْعَظِيمَةِ، وَلَهُ شِعْرٌ حَسَنٌ، فَمِنْهُ أَنَّهُ وَقَعَتْ حَرْبٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ، وَهُمْ عَدِيٌّ، وَرَيَاحٌ، فَقُتِلَ رَجُلٌ مِنْ رَيَاحٍ، ثُمَّ اصْطَلَحُوا، وَأَهْدَرُوا دَمَهُ، وَكَانَ صُلْحُهُمْ مَا يَضُرُّ بِهِ وَبِبِلَادِهِ، فَقَالَ أَبْيَاتًا يُحَرِّضُ عَلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ، وَهِيَ:

مَتَّى كَانَتْ دِمَاؤُكُمْ تُطِلُّ ... أَمَا فِيكُمْ بِثَأْرٍ مُسْتَقِلُّ

أَغَانِمُ ثُمَّ سَالِمُ إِنْ فَشِلْتُمْ ... فَمَا كَانَتْ أَوَائِلُكُمْ تَذِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>