وَنِمْتُمْ عَنْ طِلَابِ الثَّأْرِ حَتَّى
كَأَنَّ الْعِزَّ فِيكُمْ مُضْمَحِلٌّ ... وَمَا كَسَّرْتُمُ فِيهِ الْعَوَالِي
وَلَا بِيضٌ تُفَلُّ، وَلَا تُسَلُّ
فَعَمَدَ إِخْوَةُ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوا أَمِيرًا مِنْ عَدِيٍّ، وَاشْتَدَّ بَيْنَهُمُ الْقِتَالُ، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى، حَتَّى أَخْرَجُوا بَنِي عَدِيٍّ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ.
قِيلَ: إِنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً بِثَمَنٍ كَثِيرٍ، فَبَلَغَهُ أَنَّ مَوْلَاهَا الَّذِي بَاعَهَا ذَهَبَ عَقْلُهُ وَأَسِفَ عَلَى فِرَاقِهَا، فَأَحْضَرَهُ تَمِيمٌ إِلَى بَيْنِ يَدَيْهِ، وَأَرْسَلَ الْجَارِيَةَ إِلَى دَارِهِ، وَمَعَهَا الْكِسْوَاتُ، وَالْأَوَانِي الْفِضَّةُ، وَغَيْرُهَا، وَمِنَ الطِّيبِ، وَغَيْرِهِ، شَيْءٌ كَثِيرٌ، ثُمَّ أَمَرَ مَوْلَاهَا بِالِانْصِرَافِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى دَارِهِ وَرَآهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَقَعَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ لِكَثْرَةِ سُرُورِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَخَذَ الثَّمَنَ، وَجَمِيعَ مَا كَانَ مَعَهَا، وَحَمَلَهُ إِلَى دَارِ تَمِيمٍ، فَانْتَهَرَهُ، وَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ إِلَى دَارِهِ.
وَكَانَ لَهُ فِي الْبِلَادِ أَصْحَابُ أَخْبَارٍ يُجْرِي عَلَيْهِمْ أَرْزَاقًا سَنِيَّةً لِيُطَالِعُوهُ بِأَحْوَالِ أَصْحَابِهِ لِئَلَّا يَظْلِمُوا النَّاسَ، فَكَانَ بِالْقَيْرَوَانِ تَاجِرٌ لَهُ مَالٌ وَثَرْوَةٌ، فَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ التُّجَّارُ تَمِيمًا، وَدَعَوْا لَهُ، وَذَلِكَ التَّاجِرُ حَاضِرٌ، فَتَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ الْمُعِزِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى تَمِيمٍ، فَأَحْضَرَهُ إِلَى قَصْرِهِ وَسَأَلَهُ: هَلْ ظَلَمْتُكَ؟ فَقَالَ: لَا! قَالَ: فَهَلْ ظَلَمَكَ بَعْضُ أَصْحَابِي؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَلِمَ أَطْلَقْتَ لِسَانَكَ أَمْسِ بِذَمِّي؟ فَسَكَتَ، فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ يُقَالَ شَرِهَ فِي مَالِهِ لَقَتَلْتُكَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَصُفِعَ فِي حَضْرَتِهِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَطْلَقَهُ فَخَرَجَ، وَأَصْحَابُهُ يَنْتَظِرُونَهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ خَبَرِهِ، فَقَالَ: أَسْرَارُ الْمُلُوكِ لَا تُذَاعُ، فَصَارَتْ بِإِفْرِيقِيَّةَ مَثَلًا.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ كَانَ عُمُرُهُ تِسْعًا وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَخَلَّفَ مِنَ الذُّكُورِ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ، وَمِنَ الْبَنَاتِ سِتِّينَ بِنْتًا، وَلَمَّا تُوُفِّيَ مَلَكَ بَعْدَهُ ابْنُهُ يَحْيَى بْنُ تَمِيمٍ، وَكَانَتْ وِلَادَتُهُ بِالْمَهْدِيَّةِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَكَانَ عُمُرُهُ حِينَ وُلِّيَ ثَلَاثًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَلَمَّا وُلِّيَ فَرَّقَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي الرَّعِيَّةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute