أَفْعَالِهِ، فَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ مَحْمُودٍ، وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ بِالسَّلْطَنَةِ لِمَسْعُودٍ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَبَلَدِ الْمَوْصِلِ، وَالْجَزِيرَةِ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَأَمَّا أَتَابِكُهُ جُيُوشْ بِكْ فَإِنَّهُ سَارَ إِلَى عَقَبَةِ أَسَادَابَاذَ، وَانْتَظَرَ الْمَلِكَ مَسْعُودًا، فَلَمْ يَرَهُ، وَانْتَظَرَهُ بِمَكَانٍ آخَرَ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا أَيِسَ مِنْهُ سَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَنَزَلَ بِظَاهِرِهَا، وَجَمَعَ الْغَلَّاتِ مِنَ السَّوَادِ إِلَيْهَا، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ عَسْكَرُهُ، فَلَمَّا سَمِعَ بِمَا فَعَلَهُ السُّلْطَانُ مَعَ أَخِيهِ، وَأَنَّهُ عِنْدَهُ، عَلِمَ أَنَّهُ لَا مُقَامَ لَهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ، فَسَارَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ الصَّيْدَ، فَوَصَلَ إِلَى الزَّابِ، وَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ: إِنَّنِي قَدْ عَزَمْتُ عَلَى قَصْدِ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَأُخَاطِرُ بِنَفْسِي، فَسَارَ إِلَيْهِ، فَوَصَلَ وَهُوَ بِهَمَذَانَ، وَدَخَلَ إِلَيْهِ، فَطَيَّبَ قَلْبَهُ وَأَمَّنَهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا دُبَيْسٌ فَإِنَّهُ كَانَ بِالْعِرَاقِ، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ انْهِزَامِ الْمَلِكِ مَسْعُودٍ نَهَبَ الْبِلَادَ وَخَرَّبَهَا، وَفَعَلَ فِيهَا الْأَفَاعِيلَ الْقَبِيحَةَ، إِلَى أَنْ أَتَاهُ رَسُولُ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ، وَطَيَّبَ قَلْبَهُ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ.
ذِكْرُ حَالِ دُبَيْسٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ
لَمَّا كَانَ مِنْهُ بِبَغْدَاذَ وَسَوَادِهَا مِنَ النَّهْبِ وَالْقَتْلِ وَالْفَسَادِ مَا لَمْ يَجْرِ مِثْلُهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ الْخَلِيفَةُ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ رِسَالَةً يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُ بِالْكَفِّ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ وَطَيَّبَ قَلْبَهُ، وَأَمَرَهُ بِمَنْعِ أَصْحَابِهِ عَنِ الْفَسَادِ، فَلَمْ يَقْبَلْ، وَسَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَضَرَبَ سُرَادِقَهُ بِإِزَاءِ دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأَظْهَرَ الضَّغَائِنَ الَّتِي فِي نَفْسِهِ، وَكَيْفَ طِيفَ بِرَأْسِ أَبِيهِ، وَتَهَدَّدَ الْخَلِيفَةُ، وَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَ تَسْتَدْعِي السُّلْطَانَ، فَإِنْ أَعَدْتُمُوهُ، وَإِلَّا فَعَلْتُ وَصَنَعْتُ. فَأُعِيدَ جَوَابُ رِسَالَتِهِ: أَنَّ عَوْدَ السُّلْطَانِ، وَقَدْ سَارَ عَنْ هَمَذَانَ، غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَكِنَّا نُصْلِحُ حَالَكَ مَعَهُ.
وَكَانَ الرَّسُولُ شَيْخَ الشُّيُوخِ إِسْمَاعِيلَ، فَكَفَّ عَلَى أَنْ تَسِيرَ الرُّسُلُ فِي الِاتِّفَاقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ، وَعَادَ عَنْ بَغْدَاذَ فِي رَجَبٍ.
وَوَصَلَ السُّلْطَانُ فِي رَجَبٍ إِلَى بَغْدَاذَ، فَأَرْسَلَ دُبَيْسٌ زَوْجَتَهُ ابْنَةَ عَمِيدِ الدَّوْلَةِ بْنِ جَهِيرٍ إِلَيْهِ، وَمَعَهَا مَالٌ كَثِيرٌ، وَهَدِيَّةٌ نَفِيسَةٌ، وَسَأَلَ الصَّفْحَ عَنْهُ فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute