للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّنَةُ خَرَجُوا وَمَعَهُمْ قُفْجَاقُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لَهُمْ فَتَكَاتَبَ الْأُمَرَاءُ الْمُجَاوِرُونَ لِبِلَادِهِمْ، وَاجْتَمَعُوا، مِنْهُمُ: الْأَمِيرُ إِيلْغَازِي وَدُبَيْسُ بْنُ صَدَقَةَ، وَكَانَ عِنْدَهُ، وَالْمَلِكُ طُغْرَلُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَتَابِكُهُ كُنْتَغْدِي، وَكَانَ لِطُغْرَلَ بَلَدُ أَرَّانَ، وَنَقْجُوَانُ إِلَى أَرَسَ، فَاجْتَمَعُوا وَسَارُوا إِلَى الْكُرْجِ، فَلَمَّا قَارَبُوا تِفْلِيسَ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَسْكَرٍ كَثِيرٍ يَبْلُغُونَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا الْتَقَوْا وَاصْطَفَّتِ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ، فَخَرَجَ مِنَ الْقُفْجَاقِ مِائَتَا رَجُلٍ، فَظَنَّ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ مُسْتَأْمَنُونَ، فَلَمْ يَحْتَرِزُوا مِنْهُمْ، وَدَخَلُوا بَيْنَهُمْ، وَرَمَوْا بِالنُّشَّابِ، فَاضْطَرَبَ صَفُّ الْمُسْلِمِينَ، فَظَنَّ مَنْ بَعُدَ أَنَّهَا هَزِيمَةٌ، فَانْهَزَمُوا، وَتَبِعَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا مُنْهَزِمِينَ، وَلِشِدَّةِ الزِّحَامِ صَدَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عَالَمٌ عَظِيمٌ.

وَتَبِعَهُمُ الْكُفَّارُ عَشَرَةَ فَرَاسِخَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَأَسَرُوا أَرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ، وَنَجَا الْمَلِكُ طُغْرَلُ، وَإِيلْغَازِي، وَدُبَيْسٌ، وَعَادَ الْكُرْجُ فَنَهَبُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ، وَحَصَرُوا مَدِينَةَ تَفْلِيسَ، وَاشْتَدَّ قِتَالُهُمْ لِمَنْ بِهَا، وَعَظُمَ الْأَمْرُ، وَتَفَاقَمَ الْخَطْبُ عَلَى أَهْلِهَا، وَدَامَ الْحِصَارُ إِلَى سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ فَمَلَكُوهَا عَنْوَةً.

وَكَانَ أَهْلُهَا لَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى الْهَلَاكِ قَدْ أَرْسَلُوا قَاضِيَهَا وَخَطِيبَهَا إِلَى الْكُرْجِ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ، فَلَمْ تُصْغِ الْكُرْجُ إِلَيْهِمَا فَأَخْرَقُوا بِهِمَا، وَدَخَلُوا الْبَلَدَ قَهْرًا وَغَلَبَةً، وَاسْتَبَاحُوهُ وَنَهَبُوهُ، وَوَصَلَ الْمُسْتَنْفِرُونَ مِنْهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ مُسْتَصْرَخِينَ وَمُسْتَنْصِرِينَ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَبَلَغَهُمْ أَنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُودًا بِهَمَذَانَ، فَقَصَدُوهُ وَاسْتَغَاثُوا بِهِ، فَسَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَأَقَامَ بِمَدِينَةِ تِبْرِيزَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَنْفَذَ عَسْكَرًا إِلَى الْكُرْجِ، وَسَيَرِدُ ذِكْرُ مَا كَانَ مِنْهُمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ذِكْرُ غَزَوَاتِ إِيلْغَازِي هَذِهِ السَّنَةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَرْسَلَ الْمُسْتَرْشِدُ بِاللَّهِ خِلَعًا مَعَ سَدِيدِ الدَّوْلَةِ بْنِ الْأَنْبَارِيِّ لِنَجْمِ الدِّينِ إِيلْغَازِي، وَشَكَرَهُ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ غَزْوِ الْفِرِنْجِ، وَيَأْمُرُهُ بِإِبْعَادِ دُبَيْسٍ عَنْهُ، وَسَارَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ عَمَّارٍ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ طَرَابُلُسَ، مَعَ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ إِلَى إِيلْغَازِي لِيُقِيمَ عِنْدَهُ، يَعْبُرُ الْأَوْقَاتَ بِمَا يُنْعِمُ بِهِ عَلَيْهِ، فَاعْتَذَرَ عَنْ إِبْعَادِ دُبَيْسٍ، وَوَعَدَ بِهِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>