الْفِرِنْجِ، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ لَهُمْ جَمْعًا، فَالْتَقَوْا بِمَوْضِعٍ اسْمُهُ ذَاتُ الْبَقْلِ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، فَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَانَ الظَّفَرُ لَهُ.
ثُمَّ اجْتَمَعَ إِيلْغَازِي وَأَتَابِكُ طُغْتِكِينُ، صَاحِبُ دِمَشْقَ، وَحَصَرُوا الْفِرِنْجَ فِي مَعَرَّةِ قِنَّسْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ أَشَارَ أَتَابِكُ طُغْتِكِينُ بِالْإِفْرَاجِ عَنْهُمْ، كَيْلَا يَحْمِلَهُمُ الْخَوْفُ عَلَى أَنْ يَسْتَقْتِلُوا وَيَخْرُجُوا إِلَى الْمُسْلِمِينَ، فَرُبَّمَا ظَفِرُوا، وَكَانَ أَكْثَرَ خَوْفِهِ مِنْ دُبُرِ خَيْلِ التُّرْكُمَانِ، وَجَوْدَةِ خَيْلِ الْفِرِنْجِ، فَأَفْرَجَ لَهُمْ إِيلْغَازِي، فَسَارُوا عَنْ مَكَانِهِمْ وَتَخَلَّصُوا، وَكَانَ إِيلْغَازِي لَا يُطِيلُ الْمُقَامَ فِي بَلَدِ الْفِرِنْجِ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ التُّرْكُمَانَ لِلطَّمَعِ، فَيَحْضُرُ أَحَدُهُمْ وَمَعَهُ جِرَابٌ فِيهِ دَقِيقٌ، وَشَاةٌ، وَيَعُدُّ السَّاعَاتِ لِغَنِيمَةٍ يَتَعَجَّلُهَا، وَيَعُودُ، فَإِذَا طَالَ مُقَامُهُمْ تَفَرَّقُوا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا يُفَرِّقُهَا فِيهِمْ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ أَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ تُومَرْتَ وَعَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَمُلْكِهِمَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ ابْتِدَاءُ أَمْرِ الْمَهْدِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ تُومَرْتَ الْعَلَوِيِّ، الْحَسَنِيِّ، وَقَبِيلَتُهُ مِنَ الْمَصَامِدَةِ، تُعْرَفُ بِهَرْغَةَ فِي جَبَلِ السُّوسِ، مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ، نَزَلُوا بِهِ لَمَّا فَتَحَهُ الْمُسْلِمُونَ مَعَ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ، وَنَذْكُرُ أَمْرَهُ وَأَمْرَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ هَذِهِ السَّنَةَ إِلَى أَنْ فَرَغَ مِنْ مُلْكِ الْمَغْرِبِ لِنُتْبِعَ بَعْضَ الْحَادِثَةِ بَعْضًا.
وَكَانَ ابْنُ تُومَرْتَ قَدْ رَحَلَ فِي شَبِيبَتِهِ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَكَانَ فَقِيهًا، فَاضِلًا، عَالِمًا بِالشَّرِيعَةِ، حَافِظًا لِلْحَدِيثِ، عَارِفًا بِأُصُولَيِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ، مُتَحَقِّقًا بِعِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ وَرِعًا، نَاسِكًا، وَوَصَلَ فِي سَفَرِهِ إِلَى الْعِرَاقِ، وَاجْتَمَعَ بِالْغَزَالِيِّ، وَإِلْكِيَا، وَاجْتَمَعَ بِأَبِي بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيِّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَقِيلَ إِنَّهُ جَرَى لَهُ حَدِيثٌ مَعَ الْغَزَالِيِّ فِيمَا فَعَلَهُ بِالْمَغْرِبِ مِنَ التَّمَلُّكِ، فَقَالَ لَهُ الْغَزَالِيُّ: إِنَّ هَذَا لَا يَتَمَشَّى فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، وَلَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِأَمْثَالِنَا.
كَذَا قَالَ بَعْضُ مُؤَرِّخِي الْمَغْرِبِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِ، فَحَجَّ مِنْ هُنَاكَ وَعَادَ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَلَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، مُغْرِبًا، غَيَّرَ الْمُنْكَرَ فِي الْمَرْكِبِ، وَأَلْزَمَ مَنْ بِهِ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَهْدِيَّةِ، وَسُلْطَانُهَا حِينَئِذٍ يَحْيَى بْنُ تَمِيمٍ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَنَزَلَ بِمَسْجِدٍ قِبْلِيِّ مَسْجِدِ السَّبْتِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute