أَغْمَاتَ، وَلَحِقَ بِالْجَبَلِ، فَسَارَ فِيهِ، حَتَّى الْتَحَقَ بِالسُّوسِ الَّذِي فِيهِ قَبِيلَةُ هَرْغَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمَصَامِدَةِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَأَتَوْهُ، وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهُ.
وَتَسَامَعَ بِهِ أَهْلُ تِلْكَ النَّوَاحِي، فَوَفَدُوا عَلَيْهِ، وَحَضَرَ أَعْيَانُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَعِظُهُمْ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ، وَيَذْكُرُ لَهُمْ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَمَا غَيَّرَ مِنْهَا، وَمَا حَدَثَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ طَاعَةُ دَوْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الدُّوَلِ لِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ، بَلِ الْوَاجِبُ قِتَالُهُمْ، وَمَنْعُهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ، فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ نَحْوَ سَنَةٍ، وَتَابَعَتْهُ هَرْغَةُ قَبِيلَتُهُ، وَسَمَّى أَتْبَاعَهُ الْمُوَحِّدِينَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ بِالْمَهْدِيِّ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَأَنَّ مَكَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَغْرِبُ الْأَقْصَى، فَقَامَ إِلَيْهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ، أَحَدُهُمْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، فَقَالُوا: لَا يُوجَدُ هَذَا إِلَّا فِيكَ فَأَنْتَ الْمَهْدِيُّ، فَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
فَانْتَهَى خَبَرُهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، فَجَهَّزَ جَيْشًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَيَّرَهُمْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَرُبُوا مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَنِي، وَأَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ، فَالرَّأْيُ أَنْ أَخْرُجَ بِنَفْسِي إِلَى غَيْرِ هَذِهِ الْبِلَادِ لِتَسْلَمُوا أَنْتُمْ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ تُوفَيَانَ مِنْ مَشَايِخِ هَرْغَةَ: هَلْ تَخَافُ شَيْئًا مِنَ السَّمَاءِ؟ فَقَالَ: لَا، بَلْ مِنَ السَّمَاءِ تُنْصَرُونَ، فَقَالَ ابْنُ تُوَفَيَانَ: فَلْيَأْتِنَا كُلُّ مَنْ فِي الْأَرْضِ. وَوَافَقَهُ جَمِيعُ قَبِيلَتِهِ، فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: أَبْشِرُوا بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ بِهَذِهِ الشِّرْذِمَةِ، وَبَعْدَ قَلِيلٍ تَسْتَأْصِلُونَ دَوْلَتَهُمْ، وَتَرِثُونَ أَرْضَهُمْ، فَنَزَلُوا مِنَ الْجَبَلِ، وَلَقُوا جَيْشَ أَمِيرِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَزَمُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَسْلَابَهُمْ، وَقَوِيَ ظَنُّهُمْ فِي صِدْقِ الْمَهْدِيِّ، حَيْثُ ظَفِرُوا، كَمَا ذَكَرَ لَهُمْ.
وَأَقْبَلَتْ إِلَيْهِ أَفْوَاجُ الْقَبَائِلِ، مِنَ الْحِلَلِ الَّتِي حَوْلَهُ، شَرْقًا وَغَرْبًا، وَبَايَعُوهُ، وَأَطَاعَتْهُ قَبِيلَةُ هَنْتَاتَةُ، وَهِيَ مِنْ أَقْوَى الْقَبَائِلِ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِمْ، وَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ تِينِ مَلَّلَ بِطَاعَتِهِمْ، وَطَلَبُوهُ إِلَيْهِمْ، فَتَوَجَّهَ إِلَى جَبَلِ تِينِ مَلَّلَ وَاسْتَوْطَنَهُ، وَأَلَّفَ لَهُمْ كِتَابًا فِي التَّوْحِيدِ، وَكِتَابًا فِي الْعَقِيدَةِ، وَنَهَجَ لَهُمْ طَرِيقَ الْأَدَبِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْقَصِيرِ مِنَ الثِّيَابِ، الْقَلِيلِ الثَّمَنِ، وَهُوَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى قِتَالِ عَدُوِّهِمْ، وَإِخْرَاجِ الْأَشْرَارِ مِنْ بَيْنٍ أَظْهُرِهِمْ.
وَأَقَامَ بِتِينِ مَلَّلَ وَبَنَى لَهُ مَسْجِدًا خَارِجَ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ الصَّلَوَاتِ هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute