للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَكَذَا سَمِعْتُ جَمَاعَةً مِنْ فُضَلَاءِ الْمَغَارِبَةِ يَذْكُرُونَ فِي التَّمْيِيزِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ تُومَرْتَ لَمَّا رَأَى كَثْرَةَ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ فِي أَهْلِ الْجَبَلِ، أَحْضَرَ شُيُوخَ الْقَبَائِلِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ لَا يَصِحُّ لَكُمْ دِينٌ، وَلَا يَقْوَى إِلَّا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَإِخْرَاجِ الْمُفْسِدِ مِنْ بَيْنِكُمْ، فَابْحَثُوا عَنْ كُلِّ مَنْ عِنْدَكُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، فَانْهُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنِ انْتَهَوْا، وَإِلَّا فَاكْتُبُوا أَسْمَاءَهُمْ وَارْفَعُوهَا إِلَيَّ لِأَنْظُرَ فِي أَمْرِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ، وَكَتَبُوا لَهُ أَسْمَاءَهُمْ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً، ثُمَّ جَمَعَ الْمَكْتُوبَاتِ فَأَخَذَ مِنْهَا مَا تَكَرَّرَ مِنَ الْأَسْمَاءِ فَأَثْبَتَهَا عِنْدَهُ، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ قَاطِبَةً، وَرَفَعَ الْأَسْمَاءَ الَّتِي كَتَبَهَا، وَدَفَعَهَا إِلَى الْوَنْشَرِيشِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْبَشِيرِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ الْقَبَائِلَ، وَيَجْعَلَ أُولَئِكَ الْمُفْسِدِينَ فِي جِهَةِ الشِّمَالِ، وَمَنْ عَدَاهُمْ فِي جِهَةِ الْيَمِينِ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَمَرَ أَنْ يُكَتَّفَ مَنْ عَلَى شِمَالِ الْوَنْشَرِيشِيِّ، فَكُتِّفُوا، وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ أَشْقِيَاءُ قَدْ وَجَبَ قَتْلُهُمْ، وَأَمَرَ كُلَّ قَبِيلَةٍ أَنْ يَقْتُلُوا أَشْقِيَاءَهُمْ، فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ فَكَانَ يَوْمَ التَّمْيِيزِ.

وَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ تُومَرْتَ مِنَ التَّمْيِيزِ، رَأَى أَصْحَابَهُ الْبَاقِينَ عَلَى نِيَّاتٍ صَادِقَةٍ، وَقُلُوبٍ مُتَّفِقَةٍ عَلَى طَاعَتِهِ، فَجَهَّزَ مِنْهُمْ جَيْشًا وَسَيَّرَهُمْ إِلَى جِبَالِ أَغْمَاتَ، وَبِهَا جَمْعٌ مِنَ الْمُرَابِطِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ تُومَرْتَ، وَكَانَ أَمِيرَهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَنْشَرِيشِيُّ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَجُرِحَ عُمَرُ الْهِنْتَانِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِهِ، وَسَكَنَ حِسُّهُ وَنَبْضُهُ، فَقَالُوا: مَاتَ! فَقَالَ الْوَنْشَرِيشِيُّ: أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَا يَمُوتُ حَتَّى يَمْلِكَ الْبِلَادَ. فَبَعْدَ سَاعَةٍ فَتَحَ عَيْنَيْهِ، وَعَادَتْ قُوَّتُهُ إِلَيْهِ، فَافْتَتَنُوا بِهِ، وَعَادُوا مُنْهَزِمِينَ إِلَى ابْنِ تُومَرْتَ، فَوَعَظَهُمْ، وَشَكَرَهُمْ عَلَى صَبْرِهِمْ.

ثُمَّ لَمْ يَزَلْ بَعْدَهَا يُرْسِلُ السَّرَايَا فِي أَطْرَافِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَأَوْا عَسْكَرًا تَعَلَّقُوا بِالْجَبَلِ فَأَمِنُوا. وَكَانَ الْمَهْدِيُّ قَدْ رَتَّبَ أَصْحَابَهُ مَرَاتِبَ، فَالْأُولَى يُسَمَّوْنَ أَيْتَ عَشَرَةٍ يَعْنِي أَهْلَ عَشَرَةٍ، وَأَوَّلُهُمْ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، ثُمَّ أَبُو حَفْصٍ الْهِنْتَاتِيُّ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُمْ أَشْرَفُ أَصْحَابِهِ، وَأَهْلُ الثِّقَةِ عِنْدَهُ، السَّابِقُونَ إِلَى مُتَابَعَتِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَيْتَ خَمْسِينَ، يَعْنِي أَهْلَ خَمْسِينَ، وَهُمْ دُونَ تِلْكَ الطَّبَقَةِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَاءِ الْقَبَائِلِ، وَالثَّالِثَةُ: أَيْتَ سَبْعِينَ، يَعْنِي أَهْلَ سَبْعِينَ، وَهُمْ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا، وَسُمِّيَ عَامَّةُ أَصْحَابِهِ وَالدَّاخِلِينَ فِي طَاعَتِهِ مُوَحِّدِينَ، فَإِذَا ذُكِرَ الْمُوَحِّدُونَ فِي أَخْبَارِهِمْ فَإِنَّمَا يُعْنَى أَصْحَابُهُ وَأَصْحَابُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بَعْدَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>