وَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ ابْنِ تُومَرْتَ يَعْلُو إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَجَهَّزَ الْمَهْدِيُّ جَيْشًا كَثِيفًا يَبْلُغُونَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، أَكْثَرُهُمْ رَجَّالَةٌ، وَجَعَلَ عَلَيْهِمُ الْوَنْشَرِيشِيَّ، وَسَيَّرَ مَعَهُمْ عَبْدَ الْمُؤْمِنِ، فَنَزَلُوا وَسَارُوا إِلَى مُرَّاكِشَ فَحَصَرُوهَا، وَضَيَّقُوا عَلَيْهَا، وَبِهَا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ، فَبَقِيَ الْحِصَارُ عَلَيْهَا عِشْرِينَ يَوْمًا، فَأَرْسَلَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مُتَوَلِّي سِجِلْمَاسَةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْضُرَ وَمَعَهُ الْجُيُوشُ، فَجَمَعَ كَثِيرًا، وَسَارَ، فَلَمَّا قَارَبَ عَسْكَرَ الْمَهْدِيِّ خَرَجَ أَهْلُ مُرَّاكِشَ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي أَقْبَلَ مِنْهَا، فَاقْتَتَلُوا، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ فِي أَصْحَابِ الْمَهْدِيِّ، فَقُتِلَ الْوَنْشَرِيشِيُّ أَمِيرُهُمْ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ وَجَعَلُوهُ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَزَلِ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ عَامَّةَ النَّهَارِ، وَصَلَّى عَبْدُ الْمُؤْمِنِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ، وَلَمْ تُصَلَّ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَى الْمَصَامِدَةُ كَثْرَةَ الْمُرَابِطِينَ، وَقُوَّتَهُمْ، أَسْنَدُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى بُسْتَانٍ كَبِيرٍ هُنَاكَ، وَالْبُسْتَانُ يُسَمَّى عِنْدَهُمُ الْبُحَيْرَةُ، فَلِهَذَا قِيلَ وَقْعَةُ الْبُحَيْرَةِ، وَعَامُ الْبُحَيْرَةِ، وَصَارُوا يُقَاتِلُونَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَى أَنْ أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ، وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْمَصَامِدَةِ أَكْثَرُهُمْ، وَحِينَ قُتِلَ الْوَنْشَرِيشِيُّ دَفَنَهُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ فَطَلَبَهُ الْمَصَامِدَةُ، فَلَمْ يَرَوْهُ فِي الْقَتْلَى فَقَالُوا: رَفَعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ، وَلَمَّا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ سَارَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ وَمَنْ سَلِمَ مِنَ الْقَتْلِ إِلَى الْجَبَلِ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْمَهْدِيِّ وَوِلَايَةِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ
لَمَّا سَيَّرَ الْجَيْشَ إِلَى حِصَارِ مُرَّاكِشَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، فَلَمَّا بَلَغَهُ خَبَرُ الْهَزِيمَةِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ، وَسَأَلَ عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، فَقِيلَ: هُوَ سَالِمٌ، فَقَالَ: مَا مَاتَ أَحَدٌ، الْأَمْرُ قَائِمٌ، وَهُوَ الَّذِي يَفْتَحُ الْبِلَادَ.
وَوَصَّى أَصْحَابَهُ بِاتِّبَاعِهِ، وَتَقْدِيمِهِ، وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَلَقَّبَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ.
ثُمَّ مَاتَ الْمَهْدِيُّ، وَكَانَ عُمُرُهُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَمُدَّةُ وِلَايَتِهِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ إِلَى تِينِ مَلَّلَ، وَأَقَامَ بِهَا يَتَأَلَّفُ الْقُلُوبَ، وَيُحْسِنُ إِلَى النَّاسِ، وَكَانَ جَوَادًا مِقْدَامًا فِي الْحُرُوبِ، ثَابِتًا فِي الْهَزَاهِزِ، إِلَى أَنْ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَتَجَهَّزَ وَسَارَ فِي جَيْشٍ كَثِيرٍ، وَجَعَلَ يَمْشِي مَعَ الْجَبَلِ إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى تَادَلَةَ، فَمَانَعَهُ أَهْلُهَا، وَقَاتَلُوهُ، فَقَهَرَهُمْ، وَفَتَحَهَا وَسَائِرَ الْبِلَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute