قُلْتُ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ كَانَتْ قَبْلَ الْبَيْعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَكَوْنُهُ جَعَلَهُ بَعْدَهُ لَا وَجْهَ لَهُ، وَالصُّولِيُّ إِنَّمَا ذَكَرَ إِلَى أَيَّامِ الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، وَمَنْ بَعْدَهُ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ.
ذِكْرُ حَالِ ابْنِ بَكْرَانَ الْعَيَّارِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ عَظُمَ أَمْرُ ابْنِ بَكْرَانَ الْعَيَّارِ بِالْعِرَاقِ، وَكَثُرَ أَتْبَاعُهُ، وَصَارَ يَرْكَبُ ظَاهِرًا فِي جَمْعٍ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَخَافَهُ الشَّرِيفُ أَبُو الْكَرَمِ الْوَالِي بِبَغْدَادَ، فَأَمَرَ أَبَا الْقَاسِمِ ابْنَ أَخِيهِ حَامِي بَابِ الْأَزَجِ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَيْهِ لِيَأْمَنَ شَرَّهُ.
وَكَانَ ابْنُ بَكْرَانَ يُكْثِرُ الْمَقَامَ بِالسَّوَادِ، وَمَعَهُ رَفِيقٌ لَهُ يُعْرَفُ بِابْنِ الْبَزَّازِ، فَانْتَهَى أَمْرُهُمَا إِلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يَضْرِبَا بِاسْمِهِمَا سِكَّةً فِي الْأَنْبَارِ، فَأَرْسَلَ الشِّحْنَةُ وَالْوَزِيرُ شَرَفُ الدِّينِ الزَّيْنَبِيُّ إِلَى الْوَالِي أَبِي الْكَرَمِ، وَقَالَا:
إِمَّا أَنْ تَقْتُلَ ابْنَ بَكْرَانَ، وَإِمَّا أَنْ نَقْتُلَكَ، فَأَحْضَرَ ابْنَ أَخِيهِ وَعَرَّفَهُ مَا جَرَى، وَقَالَ لَهُ:
إِمَّا أَنْ تَخْتَارَنِي وَنَفْسَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَخْتَارَ ابْنَ بَكْرَانَ، فَقَالَ:
أَنَا أَقْتُلُهُ، وَكَانَ لِابْنِ بَكْرَانَ عَادَةً، يَجِيءُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي إِلَى ابْنِ أَخِي أَبِي الْكَرَمِ، فَيُقِيمُ فِي دَارِهِ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا جَاءَ عَلَى عَادَتِهِ وَشَرِبَ، أَخَذَ أَبُو الْقَاسِمِ سِلَاحَهُ وَوَثَبَ بِهِ فَقَتَلَهُ، وَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ، ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ رَفِيقَهُ ابْنَ الْبَزَّازِ، وَصُلِبَ، وَقُتِلَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَرَامِيَّةِ، فَسَكَنَ النَّاسُ وَاطْمَأَنُّوا، وَهَدَأَتِ الْفِتْنَةُ.
ذِكْرُ قَتْلِ الْوَزِيرِ الدَّرْكَزِينِيِّ، وَوِزَارَةِ الْخَازِنِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قَبَضَ السُّلْطَانُ مَسْعُودٌ عَلَى وَزِيرِهِ الْعِمَادِ أَبِي الْبَرَكَاتِ بْنِ سَلَمَةَ الدَّرْكَزِينِيِّ، وَاسْتَوْزَرَ بَعْدَهُ كَمَالَ الدَّيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ الْخَازِنِ، وَكَانَ الْكَمَالُ شَهْمًا شُجَاعًا، عَادِلًا نَافِذَ الْحُكْمِ، حَسَنُ السِّيرَةِ، أَزَالَ الْمُكُوسَ وَرَفَعَ الْمَظَالِمَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute