رُزَّيْكَ الْأَرْمَنِيُّ، وَزِيرُ الْعَاضِدِ الْعَلَوِيِّ، صَاحِبِ مِصْرَ، وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ تَحَكَّمَ فِي الدَّوْلَةِ التَّحَكُّمَ الْعَظِيمَ، وَاسْتَبَدَّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ إِلَيْهِ، لِصِغَرِ الْعَاضِدِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَلَّاهُ، وَوَتَرَ النَّاسَ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ كَثِيرًا مِنْ أَعْيَانِهِمْ وَفَرَّقَهُمْ فِي الْبِلَادِ لِيَأْمَنَ وُثُوبَهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنَ الْعَاضِدِ فَعَادَاهُ أَيْضًا الْحُرُمُ مِنَ الْقَصْرِ، فَأَرْسَلَتْ عَمَّةُ الْعَاضِدِ الْأَمْوَالَ إِلَى أُمَرَاءِ الْمِصْرِيِّينَ، وَدَعَتْهُمْ إِلَى قَتْلِهِ.
وَكَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الرَّاعِي، فَوَقَفُوا لَهُ فِي دِهْلِيزِ الْقَصْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ ضَرَبُوهُ بِالسَّكَاكِينِ عَلَى دَهَشٍ [مِنْهُ] ، فَجَرَحُوهُ جِرَاحَاتٍ مُهْلِكَةً، إِلَّا أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى دَارِهِ وَفِيهِ حَيَاةٌ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْعَاضِدِ يُعَاتِبُهُ عَلَى الرِّضَى بِقَتْلِهِ مَعَ أَثَرِهِ فِي خِلَافَتِهِ، فَأَقْسَمَ الْعَاضِدُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ بَرِيئًا، فَسَلِّمْ عَمَّتَكَ إِلَيَّ حَتَّى أَنْتَقِمَ مِنْهَا، فَأَمَرَ بِأَخْذِهَا، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَأَخَذَهَا قَهْرًا، وَأُحْضِرَتْ عِنْدَهُ، فَقَتَلَهَا، وَوَصَّى بِالْوِزَارَةِ لِابْنِهِ رُزَّيْكَ، وَلُقِّبَ الْعَادِلُ، فَانْتَقَلَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ.
وَلِلصَّالِحِ أَشْعَارٌ حَسَنَةٌ بَلِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَى فَضْلٍ غَزِيرٍ، فَمِنْهَا فِي الِافْتِخَارِ:
أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَدُومَ لَنَا الدَّهْرُ ... وَيَخْدِمَنَا فِي مُلْكِنَا الْعِزُّ وَالنَّصْرُ
عَلِمْنَا بِأَنَّ الْمَالَ تَفْنَى أَلُوفُهُ ... وَيَبْقَى لَنَا مِنْ بَعْدِهِ الْأَجْرُ
وَالذِّكْرُ خَلَطْنَا النَّدَى بِالْبَأْسِ حَتَّى كَأَنَّنَا ... سَحَابٌ لَدَيْهِ الْبَرْقُ وَالرَّعْدُ
وَالْقَطْرُ قِرَانَا إِذَا رُحْنَا إِلَى الْحَرْبِ مَرَّةً ... يَرَانَا وَمِنْ أَضْيَافِنَا الذِّئْبُ وَالنَّسْرُ
كَمَا أَنَّنَا فِي السِّلْمِ نَبْذُلُ جُودَنَا ... وَيَرْتَعُ فِي إِنْعَامِنَا الْعَبْدُ وَالْحُرُّ
وَهِيَ طَوِيلَةٌ.
وَكَانَ الصَّالِحُ كَرِيمًا فِيهِ أَدَبٌ، وَلَهُ شِعْرٌ جَيِّدٌ، وَكَانَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَهُ إِنْفَاقٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute