ذِكْرُ مُلْكِ أَسَدِ الدِّينِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ وَعَوْدِهِ إِلَى الشَّامِ
لَمَّا انْهَزَمَ الْمِصْرِيُّونَ وَالْفِرِنْجُ مِنْ أَسَدِ الدِّينِ بِالْبَابَيْنِ سَارَ إِلَى ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَجَبَى مَا فِي الْقُرَى عَلَى طَرِيقِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَوَصَلَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَتَسَلَّمَهَا بِمُسَاعَدَةٍ مِنْ أَهْلِهَا سَلَّمُوهَا إِلَيْهِ، فَاسْتَنَابَ بِهَا صَلَاحَ الدِّينِ ابْنَ أَخِيهِ وَعَادَ إِلَى الصَّعِيدِ، فَمَلَكَهُ، وَجَبَى أَمْوَالَهُ، وَأَقَامَ بِهِ حَتَّى صَامَ رَمَضَانَ.
وَأَمَّا الْمِصْرِيُّونَ وَالْفِرِنْجُ فَإِنَّهُمْ عَادُوا وَاجْتَمَعُوا عَلَى الْقَاهِرَةِ، وَأَصْلَحُوا حَالَ عَسَاكِرِهِمْ، وَجَمَعُوا وَسَارُوا إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَحَصَرُوا صَلَاحَ الدِّينِ بِهَا، وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ، وَقَلَّ الطَّعَامُ عَلَى مَنْ بِهَا، فَصَبَرَ أَهْلُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَسَارَ أَسَدُ الدِّينِ مِنَ الصَّعِيدِ إِلَيْهِمْ، وَكَانَ شَاوُرُ قَدْ أَفْسَدَ بَعْضَ مَنْ مَعَهُ مِنَ التُّرْكُمَانِ، فَوَصَلَ رُسُلُ الْفِرِنْجِ وَالْمِصْرِيِّينَ يَطْلُبُونَ الصُّلْحَ، وَبَذَلُوا لَهُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ سِوَى مَا أَخَذَهُ مِنَ الْبِلَادِ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَشَرَطَ [عَلَى] الْفِرِنْجِ أَنْ لَا يُقِيمُوا بِالْبِلَادِ، وَلَا يَتَمَلَّكُوا مِنْهَا قَرْيَةً وَاحِدَةً، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ، وَاصْطَلَحُوا وَعَادَ إِلَى الشَّامِ، وَتَسَلَّمَ الْمِصْرِيُّونَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ فِي نِصْفِ شَوَّالٍ، وَوَصَلَ شِيرِكُوهْ إِلَى دِمَشْقَ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْقَعْدَةِ.
وَأَمَّا الْفِرِنْجُ فَإِنَّهُمُ اسْتَقَرَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِالْقَاهِرَةِ شِحْنَةٌ، وَتَكُونَ أَبْوَابُهَا بِيَدِ فُرْسَانِهِمْ لِيَمْتَنِعَ نُورُ الدِّينِ مِنْ إِنْفَاذِ عَسْكَرٍ إِلَيْهِمْ، وَيَكُونَ لَهُمْ مِنْ دَخْلِ مِصْرَ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ. هَذَا كُلُّهُ اسْتَقَرَّ مَعَ شَاوُرَ، فَإِنَّ الْعَاضِدَ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حُكْمٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَيْهِ وَحَجَبَهُ عَنِ الْأُمُورِ كُلِّهَا، وَعَادَ الْفِرِنْجُ إِلَى بِلَادِهِمْ بِالسَّاحِلِ الشَّامِيِّ، وَتَرَكُوا بِمِصْرَ جَمَاعَةً مِنْ مَشَاهِيرِ فُرْسَانِهِمْ.
وَكَانَ الْكَامِلُ شُجَاعُ بْنُ شَاوُرَ قَدْ أَرْسَلَ إِلَى نُورِ الدِّينِ مَعَ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ يُنْهِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute