جَرِيدَةِ الْعَرْضِ، وَتَرْتِيبِ الْعَسْكَرِ لِلْمَصَافِّ مَيْمَنَةً وَمَيْسَرَةً وَقَلْبًا وَجَالِيشِيَّةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَانَ الْمُتَوَلِّي لِذَلِكَ وَالْكَاتِبُ لَهُ أَخِي مَجْدَ الدِّينِ أَبَا السِّعَادَاتِ الْمُبَارَكَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنَّمَا قَصَدَ الْعِمَادُ أَنْ يُعَظِّمَ أَمْرَ صَاحِبِهِ بِأَنَّهُ هَزَمَ بِسِتَّةِ آلَافٍ عِشْرِينَ أَلْفًا، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ، ثُمَّ يَا لَيْتَ شِعْرِي كَمْ هِيَ الْمَوْصِلُ وَأَعْمَالُهُاَ إِلَى الْفُرَاتِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا وَفِيهَا عِشْرُونَ أَلْفَ فَارِسٍ؟
ذِكْرُ مَا مَلَكَهُ صَلَاحُ الدِّينِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ مِنْ بِلَادِ الصَّالِحِ بْنِ نُورِ الدِّينِ
لَمَّا انْهَزَمَ سَيْفُ الدِّينِ وَعَسْكَرُهُ وَوَصَلُوا إِلَى حَلَبَ عَادَ سَيْفُ الدِّينِ إِلَى الْمَوْصِلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَتَرَكَ بِحَلَبَ أَخَاهُ عِزَّ الدِّينِ مَسْعُودًا فِي طَائِفَةٍ مِنَ الْعَسْكَرِ نَجْدَةً لِلْمَلِكِ الصَّالِحِ، وَأَمَّا صَلَاحُ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى عَلَى أَثْقَالِ الْعَسْكَرِ الْمَوْصِلِيِّ هُوَ وَعَسْكَرُهُ، وَغَنِمُوهَا وَاتَّسَعُوا بِهَا وَقَوُوا، سَارَ إِلَى بُزَاعَةَ فَحَصَرَهَا، وَقَاتَلَهُ مَنْ بِالْقَلْعَةِ، ثُمَّ تَسَلَّمَهَا وَجَعَلَ فِيهَا مَنْ يَحْفَظُهَا، وَسَارَ إِلَى مَدِينَةِ مَنْبَجَ فَحَصَرَهَا آخِرَ شَوَّالٍ، وَبِهَا صَاحِبُهَا قُطْبُ الدِّينِ يَنَّالُ بْنُ حَسَّانَ الْمَنْبَجِيُّ وَكَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِصَلَاحِ الدِّينِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَيْهِ، وَالْإِطْمَاعِ فِيهِ، وَالطَّعْنِ فِيهِ، فَصَلَاحُ الدِّينِ حَنَقَ عَلَيْهِ مُتَهَدِّدٌ لَهُ، فَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَمَلَكَهَا، وَلَمْ تَمْتَنِعْ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ الْقَلْعَةُ وَبِهَا صَاحِبُهَا قَدْ جَمَعَ إِلَيْهَا الرِّجَالَ وَالسِّلَاحَ وَالذَّخَائِرَ، فَحَصَرَهُ صَلَاحُ الدِّينِ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ وَزَحَفَ إِلَى الْقَلْعَةِ فَوَصَلَ النَّقَّابُونَ إِلَى السُّورِ فَنَقَبُوهَا وَمَلَكُوهَا عَنْوَةً، وَغَنِمَ الْعَسْكَرُ الصَّلَاحِيُّ كُلُّ مَا فِيهَا، وَأُخِذَ صَاحِبُهَا يَنَّالُ أَسِيرًا، فَأَخَذَ صَلَاحُ الدِّينِ كُلَّ مَالِهِ وَأَصْبَحَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ نَقِيرًا، ثُمَّ أَطْلَقَهُ صَلَاحُ الدِّينِ فَسَارَ إِلَى الْمَوْصِلِ، فَأَقْطَعَهُ سَيْفُ الدِّينِ غَازِي مَدِينَةَ الرَّقَّةِ.
وَلَمَّا فَرَغَ صَلَاحُ [الدِّينِ] مِنْ مَنْبَجَ سَارَ إِلَى قَلْعَةِ إِعْزَازَ فَنَازَلَهَا ثَالِثَ ذِي الْقِعْدَةِ مِنَ السَّنَةِ، وَهِيَ مِنْ أَحْصَنِ الْقِلَاعِ وَأَمْنَعِهَا، فَنَازَلَهَا وَحَصَرَهَا، وَأَحَاطَ بِهَا وَضَيَّقَ عَلَى مَنْ فِيهَا وَنَصَبَ عَلَيْهَا الْمَجَانِيقَ، وَقُتِلَ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَبَيْنَمَا صَلَاحُ الدِّينِ يَوْمًا فِي خَيْمَةٍ لِبَعْضِ أُمَرَائِهِ يُقَالُ لَهُ جَاوْلِي، وَهُوَ مُقَدَّمُ الطَّائِفَةِ الْأَسْدِيَّةِ، إِذْ وَثَبَ عَلَيْهِ بَاطِنِيٌّ فَضَرَبَهُ بِسِكِّينٍ فِي رَأْسِهِ فَجَرَحَهُ، فَلَوْلَا أَنَّ الْمِغْفَرَ الزَّرَدَ كَانَ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ لَقَتَلَهُ، فَأَمْسَكَ صَلَاحُ الدِّينِ يَدَ الْبَاطِنِيَّ بِيَدِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الضَّرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute