وَمِمَّا كَتَبَهُ الْقَاضِي فِي الْمَعْنَى عَنْ صَلَاحِ الدِّينِ: " فَأَعْطَيْنَاهُ عَنْ حَلَبَ كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ صَرْفٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَخَذْنَا فِيهِ الدَّنَانِيرَ وَأَعْطَيْنَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَنَزَلْنَا عَنِ الْقُرَى، وَأَحْرَزْنَا الْعَوَاصِمَ ".
وَكَتَبَ أَيْضًا: " أَعْطَيْنَاهُ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْيَدِ، يَعْنِي أَنَّهُ مَتَى شَاءَ أَخَذَهُ لِعَدَمِ حَصَانَتِهِ ".
وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ عَلَى حَلَبَ تَاجُ الْمُلُوكِ بُورِيٌّ، أَخُو صَلَاحِ الدِّينِ الْأَصْغَرُ، وَكَانَ فَارِسًا شُجَاعًا، كَرِيمًا حَلِيمًا، جَامِعًا لِخِصَالِ الْخَيْرِ، وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، طُعِنَ فِي رُكْبَتِهِ فَانْفَكَّتْ، فَمَاتَ مِنْهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ الصُّلْحُ بَيْنَ عِمَادِ الدِّينِ وَصَلَاحِ الدِّينِ عَلَى تَسْلِيمِ حَلَبَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صَلَاحُ الدِّينِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الصُّلْحِ حَضَرَ صَلَاحُ الدِّينِ عِنْدَ أَخِيهِ يَعُودُهُ، وَقَالَ لَهُ: هَذِهِ حَلَبُ قَدْ أَخَذْنَاهَا، وَهِيَ لَكَ، فَقَالَ: ذَلِكَ لَوْ كَانَ وَأَنَا حَيٌّ. وَوَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتَهَا غَالِيَةً حَيْثُ تَفْقِدُ مِثْلِي. فَبَكَى صَلَاحُ الدِّينِ وَأَبْكَى.
وَلَمَّا خَرَجَ عِمَادُ الدِّينِ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَقَدْ عَمِلَ لَهُ دَعْوَةً احْتَفَلَ فِيهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ فِي سُرُورٍ إِذْ جَاءَ إِنْسَانٌ فَأَسَرَّ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ بِمَوْتِ أَخِيهِ، فَلَمْ يُظْهِرْ هَلَعًا، وَلَا جَزَعًا، وَأَمَرَ بِتَجْهِيزِهِ سِرًّا، وَلَمْ يَعْلَمْ عِمَادُ الدِّينِ وَمَنْ مَعَهُ فِي الدَّعْوَةِ، وَاحْتَمَلَ الْحُزْنَ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَتَنَكَّرَ مَا هُمْ فِيهِ، وَكَانَ هَذَا مِنَ الصَّبْرِ الْجَمِيلِ.
ذِكْرُ فَتْحِ صَلَاحِ الدِّينِ حَارِمَ
لَمَّا مَلَكَ صَلَاحُ الدِّينِ حَلَبَ كَانَ بِقَلْعَةِ حَارِمَ وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِ حَلَبَ، بَعْضُ الْمَمَالِيكِ النُّورِيَّةِ، اسْمُهُ سَرْخَكُ، وَوَلَّاهُ عَلَيْهَا الْمَلِكُ الصَّالِحُ (عِمَادُ الدِّينِ) ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute