الْمُلْكِ عَنْ أَوْلَادِهِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
ذِكْرُ وَفَاةِ الْبَهْلَوَانِ وَمُلْكِ أَخِيهِ قُزَلَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي أَوَّلِهَا، تُوُفِّيَ الْبَهْلَوَانُ مُحَمَّدُ بْنُ إِيلْدِكْزَ، صَاحِبُ بَلَدِ الْجَبَلِ وَالرَّيِّ وَأَصْفَهَانَ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرَّانِيَّةَ وَغَيْرِهَا مِنِ الْبِلَادِ، وَكَانَ عَادِلًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، عَاقِلًا، حَلِيمًا، ذَا سِيَاسَةٍ حَسَنَةٍ لِلْمُلْكِ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِلَادُ فِي أَيَّامِهِ آمِنَةً وَالرَّعَايَا مُطَمْئِنَةً.
فَلَمَّا مَاتَ جَرَى بِأَصْفَهَانَ بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْحُرُوبِ وَالْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَالنَّهْبِ مَا يَجِلُّ عَنِ الْوَصْفِ، وَكَانَ قَاضِي الْبَلَدِ رَأْسَ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنُ الْخُجَنْدِيِّ رَأْسَ الشَّافِعِيَّةِ، وَكَانَ بِمَدِينَةِ الرَّيِّ أَيْضًا فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ، وَتَفَرَّقَ أَهْلُهَا، وَقُتِلَ مِنْهُمْ، وَخُرِّبَتِ الْمَدِينَةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْبِلَادِ.
وَلَمَّا مَاتَ الْبَهْلَوَانُ مَلَكَ أَخُوهُ قُزَل أَرْسَلَانَ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ، وَكَانَ السُّلْطَانُ طُغْرُلْ بْنُ أَرْسِلَانَ بْنِ طُغْرُلْ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَلِكْشَاهَ مَعَ الْبَهْلَوَانِ، وَالْخُطْبَةُ لَهُ فِي الْبِلَادِ بِالسَّلْطَنَةِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا الْبِلَادُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْأَمْوَالُ بِحُكْمِ الْبَهْلَوَانِ.
فَلَمَّا مَاتَ الْبَهْلَوَانُ خَرَجَ طُغْرُلْ عَنْ حُكْمِ قُزَلَ، وَلَحِقَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْجُنْدِ، فَاسْتَوْلَى عَلَى بَعْضِ الْبِلَادِ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُزَلَ حُرُوبٌ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[ذِكْرُ اخْتِلَافِ الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ، وَانْحِيَازِ الْقُمُّصُ صَاحِبُ طَرَابُلُسَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ]
كَانَ الْقُمُّصُ، صَاحِبُ طَرَابُلُسَ، وَاسْمُهُ رِيمَنْدُ بْنُ رِيمَنْدَ الصَّنْجَيْلِيُّ، قَدْ تَزَوَّجَ بِالْقُومَصَةِ، صَاحِبَةِ طَبَرِيَّةَ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهَا، وَأَقَامَ عِنْدَهَا بِطَبَرِيَّةَ.
وَمَاتَ مَلِكُ الْفِرِنْجِ بِالشَّامِ، وَكَانَ مَجْذُومًا، وَأَوْصَى بِالْمُلْكِ إِلَى ابْنِ أُخْتٍ لَهُ، وَكَانَ صَغِيرًا، فَكَفَلَهُ الْقُمُّصُ، وَقَامَ بِسِيَاسَةِ الْمُلْكِ وَتَدْبِيرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْفِرِنْجِ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَكْبَرُ مِنْهُ شَأْنًا، وَلَا أَشْجَعُ رَأْيًا مِنْهُ، فَطَمِعَ فِي الْمُلْكِ بِسَبَبِ هَذَا الصَّغِيرِ، فَاتُّفِقَ أَنَّ الصَّغِيرَ تُوُفِّيَ، فَانْتَقَلَ الْمُلْكُ إِلَى أُمِّهِ، فَبَطَلَ مَا كَانَ الْقُمُّصُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ [بِهِ] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute