لِي، وَإِذَا الْخَيْمَةُ قَدْ سَقَطَتْ، فَنَزَلَ السُّلْطَانُ وَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَبَكَى مِنْ فَرَحِهِ.
وَكَانَ سَبَبُ سُقُوطِهَا أَنَّ الْفِرِنْجَ لَمَّا حَمَلُوا تِلْكَ الْحَمَلَاتِ ازْدَادُوا عَطَشًا، وَقَدْ كَانُوا يَرْجُونَ الْخَلَاصَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْحَمَلَاتِ مِمَّا هُمْ فِيهِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِدُوا إِلَى الْخَلَاصِ طَرِيقًا، نَزَلُوا عَنْ دَوَابِّهِمْ وَجَلَسُوا عَلَى الْأَرْضِ، فَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِمْ، فَأَلْقَوْا خَيْمَةَ الْمَلِكِ، وَأَسَرُوهُمْ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهِمْ، وَفِيهِمُ الْمَلِكُ وَأَخُوهُ، وَالْبِرِنْسُ أَرْنَاطُ، صَاحِبُ الْكَرَكِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْفِرِنْجِ أَشَدُّ مِنْهُ عَدَاوَةً لِلْمُسْلِمِينَ.
وَأَسَرُوا أَيْضًا صَاحِبَ جُبَيْلٍ، وَابْنَ هَنْفَرِي، وَمُقَدَّمَ الدَّاوِيَّةِ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرِنْجِ شَأْنًا، وَأَسَرُوا أَيْضًا جَمَاعَةً مِنَ الدَّاوِيَّةِ، وَجَمَاعَةً مِنَ الِاسْبِتَارِيَّةِ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِيهِمْ، فَكَانَ مَنْ يَرَى الْقَتْلَى لَا يَظُنُّ أَنَّهُمْ أَسَرُوا وَاحِدًا، وَمَنْ يَرَى الْأَسْرَى لَا يَظُنُّ أَنَّهُمْ قَتَلُوا أَحَدًا، وَمَا أُصِيبَ الْفِرِنْجُ، مُنْذُ خَرَجُوا إِلَى السَّاحِلِ، وَهُوَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى الْآنَ، بِمِثْلِ هَذِهِ الْوَقْعَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ نَزَلَ صَلَاحُ الدِّينِ فِي خَيْمَتِهِ، وَأُحْضِرُ مَلِكُ الْفِرِنْجِ عِنْدَهُ، وَبِرِنْسُ صَاحِبُ الْكَرَكِ، وَأَجْلَسَ الْمَلِكَ إِلَى جَانِبِهِ وَقَدْ أَهْلَكَهُ الْعَطَشُ، فَسَقَاهُ مَاءً مَثْلُوجًا، فَشَرِبَ، وَأَعْطَى فَضْلَهُ بِرِنْسَ صَاحِبَ الْكَرَكِ، فَشَرِبَ.
فَقَالَ صَلَاحُ الدِّينِ: إِنَّ هَذَا الْمَلْعُونَ لَمْ يَشْرَبِ الْمَاءَ بِإِذْنِي فَيَنَالَ أَمَانِي، ثُمَّ كَلَّمَ الْبِرِنْسَ، وَقَرَعَهُ بِذُنُوبِهِ، وَعَدَّدَ عَلَيْهِ غَدَرَاتِهِ، وَقَامَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَضَرَبَ رَقَبَتَهُ، وَقَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ دَفْعَتَيْنِ أَنْ أَقْتُلَهُ إِنْ ظَفَرْتُ بِهِ: إِحْدَاهُمَا لَمَّا أَرَادَ الْمَسِيرَ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَالثَّانِيَةُ لَمَّا أَخَذَ الْقَفَلَ غَدْرًا، فَلَمَّا قَتَلَهُ وَسُحِبَ وَأُخْرِجَ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الْمَلِكِ، فَسَكَّنَ جَأْشَهُ وَأَمَّنَهُ.
وَأَمَّا الْقُمُّصُ، صَاحِبُ طَرَابُلُسَ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَجَا مِنَ الْمَعْرَكَةِ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَصَلَ إِلَى صُورَ، ثُمَّ قَصَدَ طَرَابُلُسَ، وَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا أَيَّامًا قَلَائِلَ حَتَّى مَاتَ غَيْظًا وَحَنَقًا مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute