الْأَرْبِعَاءِ، وَقَدْ صَعِدَ أَهْلُهَا عَلَى سُورِهَا يُظْهِرُونَ الِامْتِنَاعَ وَالْحِفْظَ، فَعَجِبَ هُوَ وَالنَّاسُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ عَسَاكِرَهُمْ مِنْ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ بَيْنَ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ.
وَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، إِلَّا أَنَّهُ نَزَلَ يَوْمَهُ، وَرَكِبَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَقَدْ صَمَّمَ عَلَى الزَّحْفِ إِلَى الْبَلَدِ وَقِتَالِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَنْظُرُ مِنْ أَيْنَ يَزْحَفُ وَيُقَاتِلُ إِذْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِهَا يَضَّرَّعُونَ، وَيَطْلُبُونَ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَأَمَّنَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالظَّعْنِ، فَاخْتَارُوا الرَّحِيلَ خَوْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَسَارُوا عَنْهَا مُتَفَرِّقِينَ، وَحَمَلُوا مَا أَمْكَنَهُمْ حَمْلَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَتَرَكُوا الْبَاقِيَ عَلَى حَالِهِ.
وَدَخَلَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْأُولَى، صَلُّوا بِهَا الْجُمُعَةَ فِي جَامِعٍ كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ قَدِيمًا، ثُمَّ جَعَلَهُ الْفِرِنْجُ بَيْعَةً، ثُمَّ جَعَلَهُ صَلَاحٌ جَامِعًا، وَهَذِهِ الْجُمُعَةُ أَوَّلُ جُمُعَةٍ أُقِيمَتْ بِالسَّاحِلِ الشَّامِيِّ بَعْدَ أَنْ مَلَكَهُ الْفِرِنْجُ. وَسَلَّمَ الْبَلَدَ إِلَى وَلَدِهِ الْأَفْضَلِ، وَأَعْطَى جَمِيعَ مَا كَانَ فِيهِ لِلدَّاوِيَّةِ مِنْ أَقْطَاعٍ وَضِيَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِلْفَقِيهِ عِيسَى.
وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مَا بَقِيَ مِمَّا لَمْ يُطِقِ الْفِرِنْجُ حَمْلُهُ، وَكَانَ مِنْ كَثْرَتِهِ يَعْجِزُ الْإِحْصَاءُ عَنْهُ، فَرَأَوْا فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوْهَرِ وَالسِّقِلَّاطِ، وَالْبُنْدُقِيِّ، وَالشَّكَرِ، وَالسِّلَاحِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْتِعَةِ كَثِيرًا، فَإِنَّهَا كَانَتْ مَقْصِدًا لِلتُّجَّارِ الْفِرِنْجِ وَالرُّومِ وَغَيْرِهِمْ، مِنْ أَقْصَى الْبِلَادِ وَأَدْنَاهَا.
وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهَا قَدْ خَزَنَهُ التُّجَّارُ، وَسَافَرُوا عَنْهُ لِكَسَادِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَنْقُلُهُ، فَفَرَّقَ صَلَاحُ الدِّينِ وَابْنُهُ الْأَفْضَلُ ذَلِكَ جَمِيعَهُ عَلَى أَصْحَابِهِمَا، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فَعَلَهُ الْأَفْضَلُ لِأَنَّهُ كَانَ مُقِيمًا بِالْبَلَدِ، وَكَانَتْ شِيمَتُهُ فِي الْكَرَمِ مَعْرُوفَةً. وَأَقَامَ صَلَاحُ الدِّينِ بِعَكَّا عِدَّةَ أَيَّامٍ لِإِصْلَاحِ حَالِهَا، وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِهَا.
ذِكْرُ فَتْحِ مَجْدِ لَيَابَةَ
لَمَّا هَزَمَ صَلَاحُ الدِّينِ الْفِرِنْجَ أَرْسَلَ إِلَى أَخِيهِ الْعَادِلِ بِمِصْرَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ، وَيَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بِلَادِ الْفِرِنْجِ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ بِمَنْ بَقِيَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَسْكَرِ، وَمُحَاصَرَةِ مَا يَلِيهِ مِنْهَا، فَسَارَعَ إِلَى ذَلِكَ، وَسَارَ عَنْ مِصْرَ فَنَازَلَ حِصْنَ مَجْدِ لَيَابَةَ وَحَصَرَهُ وَغَنِمَ مَا فِيهِ. وَوَرَدَ كِتَابُهُ بِذَلِكَ إِلَى صَلَاحِ الدِّينِ، وَكَانَتْ بِشَارَةً كَبِيرَةً.
ذِكْرُ فَتْحِ عِدَّةِ حُصُونٍ
فِي مُدَّةِ مُقَامِ صَلَاحِ الدِّينِ بِعَكَّا تَفَرَّقَ عَسْكَرُهُ إِلَى النَّاصِرَةِ، وَقَيْسَارِيَّةِ، وَحَيْفَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute